صحافتي

أصبحت الصحافة في تونس مهنة المخاطر

صحافتي بتاريخ: 29-04-2024 | 6 أشهر مضت


المرسوم 54 هو الذي قيّد حرية التعبير بشكل حاد وغير مسبوق، مما جعل كل متدخل في الشأن العام كمن يقحم نفسه في منطقة ملغمة، لا يدري متى ينفجر لغم أرضي تحت قدميه. وبما أن الصحفي والمحامي والسياسي أداة عملهم الأساسية هي الكلام، تجدهم الأكثر عرضة للمحاسبة القضائية والملاحقة الأمنية.

يصر الرئيس سعيد على تكذيب المعارضة وتسفيه مواقف المنظمات الدولية التي تؤكد في تقاريرها على القول بأن تونس تمر بأزمة، وأن حرية الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني تقلصت كثيرا، وأن حرية والصحافيين تتعرض للتضييق بشكل متواصل.
المرسوم 54 هو الذي قيّد حرية التعبير بشكل حاد وغير مسبوق، مما جعل كل متدخل في الشأن العام كمن يقحم نفسه في منطقة ملغمة، لا يدري متى ينفجر لغم أرضي تحت قدميه. وبما أن الصحفي والمحامي والسياسي أداة عملهم الأساسية هي الكلام، تجدهم الأكثر عرضة للمحاسبة القضائية والملاحقة
ففي اجتماعه الأخير بوزير الداخلية وكبار المسؤولين على الأمن أكد لهم بوضوح على أنه "لا مجال للتطاول على الدولة وعلى مؤسساتها، وأن الحرية لا تعني الفوضى، وأن بعض الجهات لا تظهر في العلن هي التي تعمل من أجل تأجيج الأوضاع وافتعال الأزمات". كما اعتبر رئيس الحكومة قبل حوالي شهر أن " مضمونة في الدولة التونسية أكثر من أي وقت مضى".

رغم هذه التأكيدات الرسمية على اعتبار تونس بلدا ينعم بالحرية، يتوقع أن يتصاعد نسق الاحتجاجات في الداخل والخارج بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة والتعبير التي يحتفل بها سنويا يوم 3 أيار/ مايو. ففي السنة الماضية سجلت منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقريرها تراجع تونس بـ27 مركزا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة. إذ احتلت المرتبة 121 من بين 180 دولة، في حين كانت مرتبتها 94 خلال سنة 2021 و73 في سنة 2020.

ونظرا لاتساع رقعة المحاكمات التي تعرض لها العديد من الصحفيين أو التي لها علاقة بحرية التعبير، هناك احتمال كبير أن يتراجع تصنيف تونس هذه السنة على الصعيد العالمي. لهذا عنونت صحيفة "المغرب" مقالها الرئيسي الصادر هذا الأسبوع: "تونس إلى أين: سياسيا، إلى الوراء .. سر"، وهو سؤال يعكس مدى الحيرة التي تلف الجميع بمن فيهم أنصار النظام. لا أحد يملك الجواب، ولا أحد يقدر أن يبرر كل ما يصدر عن السلطة، فمعظم هيئات التحرير مهما كانت المؤسسة الإعلامية، صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون، تعيش حالة قلق مستمرة، لأنها لا تعرف متى يستدعى أحد صحافييها أو أحد ضيوفها للتحقيق معه حول مسألة كانت تعتقد بكونها من المسائل العادية المتداولة في البلاد. ومع كل حدث من هذا القبيل تحس هذه الهيئات بأن نسبة الأوكسجين تقل تدريجيا، فتعيد النظر في سياستها التحريرية حتى تبقى قادرة على البقاء والتنفس.

نظرا لاتساع رقعة المحاكمات التي تعرض لها العديد من الصحفيين أو التي لها علاقة بحرية التعبير، هناك احتمال كبير أن يتراجع تصنيف تونس هذه السنة على الصعيد العالمي

أما السجناء السياسيون المنسيون، فقد طال بقاؤهم رغم خلو ملفاتهم من الأدلة القطعية التي تبرر استمرار الاحتفاظ بهم داخل السجون. هذا ما يؤكده محاموهم، لهذا تطالب عائلاتهم قبل رفاقهم بالتعجيل بمحاكمتهم وتطبيق القانون عليهم، لأن السلطات تجاوزت الأجل الأقصى المتعلق بالإيقاف التحفظي. وتعتبر هذه المسألة خطيرة جدا لأنها تمثل الخط الفاصل بين الاحتجاز الشرعي وغير الشرعي، فكل متهم يستمر في المعتقل دون دليل أو حكم قضائي لا يجوز الإبقاء عليه وراء القضبان.

بناء على ما تقدم، تونس في حاجة إلى وقفة تأمّل، يجب أن تتوقف حرب الاستنزاف بين رئيس الدولة ونخبة بلاده.. إعادة الأمل عملية ممكنة، يكفي أن يقف ويلقي خطابا شجاعا يعلن فيه عدة إجراءات تتعلق أساسا بتنقية المناخ السياسي، وإطلاق الحريات من جديد، لتعود من جديد البسمة على الوجوه ويتنفس الجميع الصعداء، وتجري الانتخابات الرئاسية في أجواء صحية، وهو قادر على ذلك.