صحافتي

نهضة بركان .. الوطن قبل الجيران

صحافتي بتاريخ: 29-04-2024 | 6 أشهر مضت

في أواخر الستينات، كانت عندنا أسطوانة بعنوان “الباسبور لخضر” كانت تعجبني بلحنها الرتيب وبكلماتها التي لم أكن أفهمها كلها، لأنها كانت بلهجة جزائرية حسب اعتقادي آنذاك، كما أن الفرنسية تخترقها في الكثير من الأبيات. وظللت أعتقد أن صاحبها جزائري حتى سنوات السبعينات، حين التحقت بالجامعة. فأخبرني صديق وجدي أن المغني الشعبي اسمه محمد اليونسي وهو مغربي من نواحي مدينة بركان وأن الشاعر مغربي أيضا واسمه أحمد بنهاري.

الأثر الجزائري في المغرب الشرقي كان معروفا عندي قبل ذلك، اللهجة واللباس والأكل والعادات المتداخلة مع الغرب الجزائري بشكل واسع. وكان أهل الشرق متأثرين بالغرب الجزائري، معتزين أحيانا بهذا التميز الذي يجعلهم استثناء في أقاليم المغرب وجهاته. هذا العشق الذي سيضربه بومدين سنة 1975 عرض الحائط حين طرد عشرات الآلاف من المغاربة، الذين استعرضوا مأساتهم مرغمين أمام أهل الشرق المغربي، فانقلب ذلك الحب الأعمى لكره شديد لا يزال يسكن النفوس، ووقف المغاربة الوجديون والبركانيون وغيرهم إلى جانب إخوتهم المطرودين معبرين عن حس وطني ينفي كل تداخل خادع مع شعب الجزائر.

نهضة بركان في الملحمة التي صنعتها بقلب العاصمة الجزائرية أكدت هذا الميل الوطني الصادق عند أهلنا بشرق البلاد، وذكرنا إصرارها على تزيين صدرها بخارطة المملكة المغربية بالنقيض الذي صنعته بعض الفرق الرديئة، كتلك التي قابل جمهورها النشيد الوطني بالصفير وهو فريق يوجد اليوم في قعر الأقسام الهاوية، أو الفريق الذي دخل منطقة الغرور حين بدأ ينشر غسيل بلادنا في العالم وينصر اللئام المشارقة الذين يتمردون علينا كلما حانت ساعة الاستفزاز. فريق يستقوي بجمهور هو الأقل تربية وحضارة في تاريخ كرة القدم المغربية.

ما صنعته أقمصة نهضة بركان وفر على الدبلوماسية المغربية كثيرا من الجهد في إقناع العالم بعلاقة الأبوة والأمومة التي تربط الجزائر بدميتها المشوهة، وأوصلت العسكر الجزائري إلى اتهام نهضة بركان بالاعتداء على السيادة الوطنية للجزائر، فأين توجد هذه السيادة الجزائرية داخل الحدود الوطنية للمملكة المغربية؟

ثم هذا الاستقبال الكبير الذي قوبل به اتحاد العاصمة في المطار والفندق وفي كل مكان، أين منه عشر ساعات من الاعتقال في مطار الجزائر، في مشهد أضحك العالم كله على هذا الكائن الذي أنبته التاريخ بجوارنا، كأنه قدر لامتحان صبرنا وكظم غيظنا على السفهاء.

لقد قدم الفريق البركاني درسا للتافهين الذين ظلوا يؤمنون بأُخُوّةِ قومٍ هم أشد إيلاما من كل أعداء المغرب في التاريخ. وغمز بذلك كل مجانين القضايا الخارجة عن اهتمام الشعب المغربي، علما أن ما بين الشرق المغربي والغرب الجزائري من ارتباط تاريخي اجتماعي ثقافي أكثرُ قوة مما يجمع بين القومجيين والإخوان بالفلسطينيين.

هنيئا للنهضة البركانية هذا التعبير العميق والواضح عن حب الوطن الذي يفوق حب كل الجيران، أقارب وأباعد. ومزيدا من التعبير عن المواقف الواضحة والابتعاد عن المناطق الرمادية، في كل المجالات السياسية والرياضية والثقافية.