صحافتي

الاحتلال الإسرائيلي وترتيبات اليوم السابق لانتهاء الحرب على غزة

صحافتي بتاريخ: 16-04-2024 | 4 أسابيع مضت

ثمة أربعة أوضاع مستجدة، وثلاثة أوضاع أخرى مستهدفة، يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتثبيتها على الأرض، قبل الإعلان عن وقف الحرب على قطاع غزة.

ربما لم يَحْظَ السؤال حول أوضاع اليوم السابق لانتهاء الحرب باهتمام كبير، كما حظي السؤال حول اليوم التالي للحرب؛ والذي يُركِّز على الترتيبات المتعلقة بمستقبل حكم قطاع غزة، ومحاولة إيجاد بدائل عن حكم حماس وقوى المقاومة.

وثمة تداخل بين ترتيبات اليوم السابق، وبين اليوم التالي للحرب، غير أن وضوح الصورة لإجراءات الاحتلال في اليوم السابق، هو أمر ضروري للعمل على قطع الطريق عليه لفرض أي تصورات متعلقة باليوم التالي.

أربعة أوضاع مستجدة

ففي ضوء فشل الكيان الإسرائيلي في تحقيق أهدافه الأساسية المعلنة في حربه على قطاع غزة، بعد أكثر من ستة أشهر من العدوان، بما في ذلك القضاء على حماس، وتحرير أسراه، وضمان أمن مناطق غلاف غزة؛ وبالرغم من أنه سيضطر في النهاية للنزول عن السُّلَّم، إلا أنه سيقوم بنزول تدريجي، وسيسعى للحفاظ على بعض الدرجات، بحسب ما تتيحه قدرته على التحمُّل، وبحسب ما تتيحه موازين القوى والحسابات السياسية والعسكرية والاقتصادية المختلفة؛ واستخدام ذلك كأدوات تفاوضية في فرض رؤيته لمستقبل القطاع.

"الحقائق" التي شرع الاحتلال في فرضها على الأرض يمكن تلخيصها فيما يلي:

والنقاط الأربعة السابقة نفذها أو قطع شوطًا في تنفيذها على الأرض.

ثلاثة أوضاع مستهدَفة

في الأيام القادمة، من المتوقّع أن يسعى الاحتلال لمسابقة الزمن لتحقيق ثلاثة أمور:

وهذه أمور ما زالت بعيدة المنال، حيث تواجه حملته العسكرية على رفح (حتى قبل إطلاقها) مصاعب كبيرة، واعتراضات عالمية حتى من حلفائه الغربيين، كما أن احتمالات فشلها كبيرة.

كما أن فشله في الوصول إلى الهرم القيادي السياسي والعسكري لحماس طوال الستة أشهر الماضية، لا يعطي آمالًا حقيقية في تحقيق ما يريد. أما السعي لتشكيل منظومة القيادة البديلة، فقد قام الاحتلال بجهود كبيرة خصوصًا في شمال غزة، غير أنه فشل في ذلك، حيث رفض زعماء العشائر التعاون مع الاحتلال، حتى ولو في الإطار الإنساني المتعلق بتوزيع المساعدات. كما أن محاولات سلطة رام الله في تجهيز قوة شرطية في القطاع، قد باءت بالفشل أيضًا.

استثمار الأوراق في المفاوضات

إذا كانت الحرب قد دخلت "الوقت الضائع"، ولم يعد بإمكان الاحتلال تحقيق أهدافه الأساسية، وإذا كانت الحرب فقدت عمليًا جدواها ومبرراتها، مع تزايد العوامل الضاغطة لإنهاء الحرب، وتحوُّل الحرب إلى عبء على الاحتلال، الذي سيضطر عاجلًا أم آجلًا للتراجع وتغيير حساباته (كما ذكرنا في مقال سابق)، فإن العدو الإسرائيلي، سيلجأ إلى تراجعات مرحلية أو تكتيكية، باتجاه نهاية الحرب مستثمرًا "الحقائق" التي أنشأها على الأرض كعناصر ضغط تفاوضية؛ لتحقيق ما يرى أنه الحد الأدنى الذي قد يقبله، ويتلخص ذلك في ثلاث نقاط:

وبالرغم من أن سلطة رام الله أخذت تُكيّف نفسها وتُجهّز أوراق اعتمادها بما يتناسب مع المعايير الإسرائيلية الأميركية، من خلال استقالة حكومة اشتية وتشكيل حكومة محمد مصطفى، واتصالاتها الإقليمية والدولية، ومحاولة إحياء تشكيلاتها الأمنية والإدارية في القطاع؛ فإنه ما زال أمامها شوطٌ بعيد؛ نظرًا لقوة المقاومة، واتساع شعبيتها، في مقابل ضعف شعبية السلطة وقياداتها.

إدارة التدافع بين المقاومة والاحتلال

في المقابل، فإن الأداء المتميِّز للمقاومة، وفاعليتها الكبيرة على الأرض، واحتفاظها بمنظومة تحكّم وسيطرة واسعة في قطاع غزة، بما في ذلك مناطقه الشمالية؛ وكذلك، سرعة سيطرة المنظومات المدنية التابعة للمقاومة على المناطق التي ينسحب منها الاحتلال، والمباشرة الفعالة في إدارة شؤون الناس، وثقة الجماهير بها؛ كل ذلك يعطي أوراق قوة للمقاومة في اليوم السابق لإنهاء الحرب.

وبشكل عام، فإن قدرةَ المقاومة على الاستمرار وأداءَها العسكري القوي، سيكون ذلك العامل الأكثر أهمية في إضعاف وإفشال "الحقائق" التي يسعى الاحتلال لإيجادها على الأرض؛ كما أن التفاف الحاضنة الشعبية حول المقاومة، سيكون عاملًا حاسمًا في قطع الطريق على أي تصورات يسعى العدو لفرضها على قطاع غزة.

لذلك، على المقاومة أن تتمسك بمطالبها، في الوقت الذي تدرك فيه أن العدوان دخل في "الوقت الضائع" وأنه يعيش أزماته، وأن التضحيات الهائلة التي بذلها القطاع يجب أن تُترجم من خلال وقف العدوان، والانسحاب الإسرائيلي الكامل غير المشروط، واحتفاظ المقاومة بسلاحها، وعودة النازحين، وفتح المعابر ودخول كافة الاحتياجات وإعادة الإعمار، وفي التأكيد على أن مستقبل قطاع غزة هو شأن فلسطيني داخلي، يقرره أبناء الشعب الفلسطيني وقواه الحيَّة الفاعلة على الأرض، وفق الثوابت والمصالح العليا للشعب الفلسطيني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.