صحافتي

عن هيكل في مئوية ميلاده

صحافتي بتاريخ: 24-09-2023 | 1 سنوات مضت

في الثالث والعشرين من سبتمبر الجاري، تمر الذكرى المئوية لميلاد «الأستاذ».. محمد حسنين هيكل.. «سيد الحرف» السائر منفردًا على حافة القمر، كبيرنا الذي علَّمنا سحر الكلمة وصلابة الموقف والثبات على المبدأ مهما تغيَّرتِ الظروف والأزمنة.

ولأن ما كُتب عن «الأستاذ» -حيًّا وميتًا- يكفي لملء عشرات الكتب، فإنني سأكتفي بالحديث عنه -بهذه المناسبة- من ثلاث زوايا أظن أنها مهمة للغاية في تفسير مسيرته الحياتية والعملية الزاخرة، وهي:

- أولاً: علاقته الخاصة جدًّا بالزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر، وأتوقف هنا أمام تخرُّصات بعض الكارهين لكليهما (ناصر، وهيكل)، فقد زعموا أنه لولا وجود عبد الناصر ما كان هيكل، وهذا أمر ينافي الحقيقة والتاريخ، فهيكل كان متحققًا وذا بريق لامع صحفيًّا قبل لقائه بـ«ناصر» وقبل قيام ثورة 23 يوليو 1952م. وبالطبع زاد بريقه في فترة اقترابه من «ناصر». ولكن هذا البريق ازداد أكثر وأكثر بعد رحيل الزعيم وبعد خروج هيكل من «الأهرام» إثر خلافه الشهير مع السادات عام 1974م. ويؤكد ما سبق عبارة «أنتونى ناتنج» وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية الأسبق عن هيكل: «عندما كان قرب القمة كان الكل يهتمون بما يعرفه، وعندما ابتعد عن القمة تحوَّل اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه».

- ثانيًا: اتهام هيكل بأنه كان يميل فكريًّا إلى اليمين (الليبرالية)، وهو ما نفاه «الأستاذ» بنفسه -وفقًا لرواية الكاتب الصحفي الكبير عبد الله السناوي- مؤكدًا أنه «يسار وسط».. مضيفًا: «كيف أكون يمينيًّا، وأنا مَن صاغ فلسفة الثورة والميثاق الوطني وبيان ٣٠ مارس والخُطب التأسيسية للتجربة الاشتراكية، التى أعلن فيها عبد الناصر التأميمات؟!!». وهنا تحضرني واقعة طريفة حدثت بين هيكل وصديقه الصحفي اللبناني الأشهر غسان تويني حين سأله: «لا أعرف كيف تكون الكاتب الأقرب من أمير الفقراء جمال عبد الناصر وأنت تــدخـن هـذا السيجار الرأسمالي الفاخر؟»، وبسرعة بديهته رد هيكل: «هذا سيجار كوبي.. بلد الثورة والاشتراكية!!».

- ثالثًا: رؤية هيكل للدين، حيث كان يراه مشعلاً للنور والهداية، ويجب ألا ينزل أبدًا إلى مستوى التجاذبات السياسية والأيديولوچية، فالدين «مطلق» والسياسة «نسبي»، ولا يجوز مطلقًا قياس المطلق على النسبي والعكس. أما على مستوى التديُّن الشخصي، فقد كان هيكل ذا تدين وسطي شأنه شأن الأغلبية الساحقة من المصريين، بدليل أنه أوصى قبل وفاته أن يخرج جثمانه من مسجد مولانا الإمام الحسين، حيث عاش مراحل حياته الأولى في حي الحسين بروحانياته وطيبة أهله. رحم الله «الأستاذ».