صحافتي

حتى لا تكون الشخص الإمعة.. كيف تفهم علاقات السلطة في عملك؟

صحافتي بتاريخ: 24-02-2021 | 3 سنوات مضت

يُلقَّن الكثير منا في فترة الصبا والنشأة وبواكير الشباب في البيت والمدرسة وعبر التعاليم الدينية أن لين المعشر والمبادرة وخدمة الآخرين صفات الإنسان الصالح الذي يُغدق عليه الآخرون رضاهم، فنسعى إلى تقمُّص هذه الصفات وتحويلها إلى مُثُل ومبادئ تُعيننا على تلمُّس أفضل المسارات والسبل في الحياة. لكن هذه الصفات الشخصية تصبح عند البعض سببا للشقاء والمعاناة وفقدان السعادة عند اتباعها في مجال العمل.

 

قد يجد المرء نفسه مُستغَلا من رؤسائه بما يفوق طاقته، ومُفتقدا للقدرة على إبداء رأيه أو تقديم قيمة مضافة في عمله. يعاني آخرون من ضغط الأقران المستمر ومن اندفاعهم الدائم وربما غير الواعي لتغطية إهمال الآخرين وأداء مهامهم. لا يقتصر هذا النمط من الشخصيات على المرؤوسين فقط، بل يجد بعض المديرين الذين يحاولون اتباع هذه المُثُل أنفسهم في دائرة المعاناة المفرغة نفسها؛ الرغبة الدائمة في نيل رضا الآخرين واستحسانهم.

 

ليس السبب في ذلك أن هذه الصفات بطبيعتها تجلب الشقاء، فالمبادئ والصفات الشخصية لا تكون حميدة أو خبيثة إلا في السياق الذي تُطبَّق فيه. ولأن بيئة العمل كغيرها من التجمعات البشرية تمتاز بعلاقات سلطة مُتغيرة ومتباينة، فقد تنقلب هذه القيم إلى نقيضها إنْ لم يدرك المرء كيف ومتى يُطبِّقها. لذا فإن التطبيق الأمثل لهذه القيم والوصول إلى المستوى المطلوب من السعادة والرضا في العمل يتطلّب من المرء فهم نفسه ودوافعه الشخصية والثقافية وراء اعتناق هذه القيم، ثم فهم علاقات السلطة في بيئة عمله ليُميِّز بين المواضع التي يجدر به فيها أن يتخذ زمام المبادرة وبين تلك التي يجب عليه فيها أن يقول "لا" بكل بساطة.

 

مُسعد الناس أو "people pleaser" هو نمط من أنماط الشخصية الذي يحاول جاهدا إسعاد الآخرين. يبذل مسعد الناس قصارى جهده لإرضاء الأشخاص من حوله، ويتصرّف أصحاب هذا النمط من الشخصيات بهذه الطريقة بسبب شعورهم بعدم الأمان وعدم احترام الذات وتقديرها. (1)

 

يتبنّى مُسعدو الناس معايير مثالية يُطبِّقونها ويُحاكمون بها أنفسهم باستمرار، ويضعون رغبات الجميع ومصالحهم قبل رغباتهم. سواء كنت تشك أنك إحدى هذه الشخصيات، أو تعمل مع أشخاص تظنهم ينتمون إلى النمط نفسه، فهذه أهم الصفات التي يتمتع بها الشخص مُسعد الناس:

 

 

 

 

يميل الإمعة عادة في بيئة العمل إلى الخضوع السلبي للسلطة، لأن إرضاء السلطة يجلب لهم رضا الآخرين، وليس المقصود هنا السلطة الهيكلية فقط، وهي السلطة اللازمة لتسيير العمل، بل الأشكال المختلفة من السلطة التي قد تمنع المرء من التعبير عن رأيه أو تحقيق إمكانياته، وقد يُحجم الشخص الإمعة عن السعي لنيل القدر المطلوب من السُّلطة الذي يُعينه على أداء عمله وتقديم قيمة مُضافة إلى فريق العمل أو تجنُّب تحمُّل مهام وأعباء لا يُطيقها بسبب افتقاده للقدرة على المعارضة والنقد. ولفهم طبيعة السلطة وعلاقاتها في بيئة العمل يُقسِّم الباحثون السلطة إلى أنواع مختلفة هي:

 

 

 

 

وأخيرا، هناك سلطة الخبير أو سلطة المعلومات التي يكتسبها الشخص بحكم خبرته أو تراكم معارفه في مهمة معينة، بحيث قد يستحيل على الفريق تحقيق هذه المهام دونه، وقد تتفوق هذه السلطة في كثير من الأحيان على السلطة الرسمية.

لا يخلو فريق عمل أو تجمع بشري في كثير من الأحيان من أشكال السلطة هذه، وقد تتوزع على أفراد مختلفين أو تتركز في يد فرد واحد أو عدد محدود، لذا يصبح فهم أشكال السلطة وخريطة مَن يحوزها ضروريا لكي يتجنَّب المرء الخضوع السلبي لها، أي الخضوع الذي يقتل قدرته على التفكير، وحريته في أداء عمله ونيل حقوقه، وعدم تحمُّل ما لا يُطيق من مهام، أو ما يتركه الآخرون إهمالا واستسهالا.

 

إن كان إسعاد الناس وخدمتهم من طبعك فلا يعني ذلك على الدوام أن تكون المتلقي السلبي لسلطتهم، بل قد يكون هذا الطبع في حد ذاته مصدرا للسلطة المرجعية التي تُعينك على إبراز شخصيتك والمساهمة في توجيه دفة الفريق وتحقيق المهام المطلوبة. إن توانيت عن السعي لهذه السلطة فستجد نفسك بطبيعة الحال إمعة يفعل ما يُطلب منه، فإن أساء مديرك أسأت، وإن أحسن أحسنت. (5)

 

على الجانب الآخر يكون اللطف سواء في بيئة العمل أو أي بيئة اجتماعية أخرى مفتاحا يساعدك على بناء العلاقات التي تكون بدورها مفتاحا للنجاح الوظيفي. على الرغم من توفر محمد على كل الصفات التي ذكرت في وصف الأشخاص مسعدي الناس فإنه لا يعتبر أن شخصيته ضعيفة، يقول في حواره مع "ميدان": "أعترف أني أتصف بمعظم الصفات التي ذكرت، إن لم أكن أتصف بها جميعها، لكن أحب أن أصف نفسي بأني يسير المعشر أو سهل التعامل بدلا ضعيف الشخصية أو مسعد الناس"، ويضيف محمد: "أعلم أن الكثيرين ممن أتعامل معهم يعتقدون في كثير من المرات أنهم يستغلونني أو يخدعونني، لكنني أُفضِّل أن يُظن أني خُدعت على أن أدخل في حروب ونقاشات فارغة فقط لأُثبت أني قادر على الرفض أو أن شخصيتي قوية. عندها سأصبح شخصا بدون شخصية فعلا".

يتبنّى الكثير من الأشخاص هذا الطرح، ويرون أن للشخصية الضعيفة العديد من المزايا نذكر أهمها فيما يلي:

 

 

 

تُعرِّف منظمة الصحة العالمية بيئة العمل الصحية بأنها البيئة التي تتناسب فيها الضغوط على الموظفين مع قدراتهم ومواردهم ومقدار سلطتهم في إدارة وأداء المهام المطلوبة منهم. تُقدِّر المنظمة بأن للضغوط السلبية في بيئة العمل كلفة اقتصادية قدّرتها بـ 20 مليار دولار في الاتحاد الأوروبي في عام 1992، وتنتج هذه الكلفة من الآثار الصحية والنفسية التي يتحمّلها الموظفون وزيادة أيام العطلات المَرَضية وتكاليف العلاج.

 

إدارة الحياة المهنية على أفضل وجه ليست بالأمر الهيّن، لكنها تظل المهمة الأهم. يقضي الإنسان في العصر الحديث نصف وقته بعد مرحلة البلوغ في بيئة العمل، وفيها تبرز شخصيته ويُشكِّل علاقاته، ومنها قد تنبع سعادته وشقاؤه. تقوم أسس الإدارة السليمة للحياة المهنية وبيئة العمل على ثلاثة مقومات أساسية هي؛ فهم الذات، وفهم علاقات السلطة وحدود الأدوار الرسمية وغير الرسمية في بيئة العمل، وأخيرا محاولة الوصول إلى التوازن الذي يُحقِّق للمرء أكبر قدر من السعادة ويُجنِّبه أكبر قدر من الشقاء.

 

لا يعني خوفك من الخضوع السلبي للسلطة أن تتخلّى عن طيبتك الفطرية وتعاطفك ووفائك لزملائك، لهذه الأخلاق منافع نفسية وحتى عملية، لكن إن تجاوزت حدّها انقلبت من مُسبِّبات للتناغم والتقدُّم في بيئة العمل إلى أسباب للشقاء والتوتر والضغوط النفسية والجسدية والذهنية. (8)

———————————————————————————————————————

المصادر