زنيبر: المغرب يفتح ملفات وازنة في المجلس الأممي لحقوق الإنسان بجنيف

مرت ستة أشهر على انتخاب المغرب رئيسا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خلال عام 2024، في سابقة هي الأولى من نوعها لاقت إشادات واسعة على المستوى الوطني والدولي.

ويُعتبر مجلس حقوق الإنسان أرفع هيئة بالأمم المتحدة مكلفة بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أنحاء العالم.

وجاء انتخاب المغرب في شخص السفير عمر زنيبر، الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف، في سياق دولي يشهد تحديات كبرى تقوض توافق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على مستوى الملفات الحقوقية العالمية، خاصة بعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني.

في ظل هذه التحديات الكبيرة، فتحت الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان ورش إصلاح الهيئة الحقوقية الأممية لأول مرة خلال الولاية الحالية، حيث تراهن المملكة على الوصول إلى توافق بشأن إصلاح المؤسسة الحقوقية الدولية في ظل انحراف بعض القضايا عن مسارها واستغلال ملفات من أجل خدمة أجندات لا علاقة لها بحقوق الإنسان.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} هسبريس التقت عمر زنيبر داخل مكتبه بمجلس حقوق الإنسان بجنيف، وذلك على هامش أشغال الدورة الـ 56 للمجلس التي تتواصل إلى غاية 12 يوليوز الجاري.

وكشف رئيس المجلس الأممي، في هذا الحوار، عن أبرز إنجازات المملكة خلال الأشهر الستة الأولى التي مرت من عمر الولاية الحالية والمشاريع المرتقبة في الفترة المقبلة، مشيرا إلى أدوار الرئاسة المغربية في فرض احترام القانون الداخلي واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية والنصوص المؤطرة لعمل الهيئة الدولية.

نص الحوار: كيف تقيمون الحصيلة المرحلية للرئاسة المغربية بعد انتخابكم بالإجماع في يناير 2024 رئيسا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؟ منذ بداية ولاية المغرب على رأس مجلس حقوق الإنسان ونحن نسهر على تطبيق مشروع عمل للرئاسة مبني على أساس أولويات اختيرت بدقة لاعتبارات عدة.

أولا، تم نهج مقاربة متوازنة ما بين كل المواضيع المطروحة بالمجلس وأعطينا الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى التوازن ما بين الحقوق السياسية والمدنية.

وتتجلى هذه الأولويات أساسا في الأمن الغذائي والأمن البيئي والأمن الصحي، حيث إن هذه المواضيع باتت من الأولويات القصوى في السنوات الأخيرة بسبب أزمات عدة، أبرزها جائحة كورونا والتغيرات المناخية، وهو الأمر الذي تصاحبه تداعيات كبيرة على ساكنة العالم، وعلى الخصوص ساكنة دول الجنوب.

في ظرف ستة أشهر، قام المجلس بتعبئة قوية حول هذه القضايا من خلال تنظيم لقاءات مهمة، وجلبنا خبرات كبيرة على المستوى الدولي وكل المنظمات الدولية ذات الصلة حضرت معنا في المجلس بدعوة من الرئاسة المغربية لكي تساهم بمقترحاتها.

وأنا كرئيس للمجلس بصدد بإرسال كل هذا الإنجاز والتراكم إلى نيويورك حيث تجري التهيئة هناك لعقد “قمة المستقبل” في شتنبر، التي ستلعب دورا كبيرا لإعادة أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي وضعت من طرف “قمة الألفية”.

والأمم المتحدة أخذت على عاتقها أن تصل إلى مستوى معين من تحقيق حاجيات الساكنة في هذه الميادين، خصوصا الصحة، التعليم والحفاظ على البيئة، إلخ.

هذه من جملة القضايا التي اشتغلت عليها الرئاسة المغربية، وهناك ملفات أخرى نشتغل عليها من قبيل تداعيات التكنولوجيات الحديثة والذكاء الاصطناعي على التمتع بحقوق الإنسان، وهناك مقاربة حقوقية متوازنة لهذه المواضيع، خصوصا على مستوى الفرص الضخمة التي تتيحها من أجل التنمية عبر استعمال هذه التكنولوجيات، وبالخصوص الذكاء الاصطناعي الذي أصبحت له امتدادات كبيرة في عدد من القطاعات ولكن هناك كذلك تحديات تواجه هذه المستجدات.

لكن، هناك أيضا تحديات حقوقية ترافق بعض منصات التواصل الاجتماعي من قبل “حرب تيك توك” بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما قد يصعب المقاربة الحقوقية الصرفة لمثل هذه المواضيع المستجدة داخل مجلس حقوق الإنسان.

كيف تدبر الرئاسة الخلافات؟ معلوم، نحن يجب أن تكون لدينا الحيطة والحذر في ما يتعلق بالمد الأخلاقي لهذه التكنولوجيات التي ذكرت.

وهناك استغلالات مع الأسف مقصودة وسلبية لبعض وسائل التواصل الاجتماعي إن لم تكن في بعض الأوقات ترقى إلى درجة الجريمة.

والبعض منها يساهم في استهداف الحق في الحياة الخاصة واستعمال أخبار زائفة، أي نحن أمام استعمال التكنولوجيات لأغراض لها تداعيات على الحق في الحياة والعلاقات الخاصة وأيضا تأثيرات على الميدان الاقتصادي.

والمغرب لأول مرة في تاريخ مجلس حقوق الإنسان أقحم هذه النقاشات المهمة من أجل أن يتخذ المجلس في حقها قرارات تضع المنتظم الدولي على السكة والطريق السليم للتعامل مع هذه القضايا.

ومن الأهداف الرئيسية أن يتبنى المجلس قرارات تجعل المنتظم الدولي على بينة من هذه المواضيع.

لكن، الخلافات السياسية بين الدول تعقد المقاربة الحقوقية لمثل هذه المواضيع، أليس كذلك؟ هناك بطبيعة الحال دائما نوع من التداعيات الجيو-سياسية داخل مجلس حقوق الإنسان.

الخلافات لها تداعيات وصدى قوي وكبير، ولكن الرئاسة المغربية تحرص على الحياد وروح الفعالية وتشتغل بتوافقات الأغلبية بين الدول، بما في ذلك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.

وهناك مساندة قوية للرئاسة المغربية إلى حد الساعة انطلاقا من الشفافية والانفتاح وفي إطار المقاربة الشمولية لحقوق الإنسان والمبادئ المتفق عليها.

أين وصل ورش إصلاح مجلس حقوق الإنسان؟ يجب أولا الإشارة إلى أن هناك قرارا للجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذ منذ 13 عاما، في سنة 2011، ينادي بمراجعة كيفية اشتغال المجلس قبل حلول سنة 2026، لكن لم يتم أي شيء ملموس في هذا الشأن منذ 2011 إلى 2024 حيث أخذ المغرب في هذه السنة الرئاسة ووضع الموضوع في قلب اهتمامات أعضاء المجلس.

لماذا إذن الجميع كان يتفادى الدخول في الورش الإصلاحي للمجلس؟ كانت هناك اشتغالات على الأمر لكن في بعض القضايا.

نحن وضعنا الإصلاح كعنوان للمرحلة وذلك لأول مرة داخل مجلس حقوق الإنسان، حيث عينت الرئاسة المغربية 17 سفيرا يشتغلون معها في كل المواضيع التي ذكرتُ، وهو ما يمثل مساندة قوية للمقاربة المغربية.

ما رأيك في الانتقادات التي تصدرها بعض الدول بشأن آلية “الاستعراض الدوري الشامل” لفحص سجلات الدول الحقوقية؟ هل تقف هذه الآلية الأممية على الحياد بين الجميع بما في ذلك الدول النامية؟ الاختلاف في التقييم واقع وموجود، لكن الإجراء الأساسي في “الاستعراض الدوري الشامل” هو أن الدولة لها الحق في القبول أو رفض التوصيات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان، وليست ملزمة بأية توصية إلا إذا قبلتها، وهذه مسألة أساسية؛ يعني هناك حوار مبني بين المجلس والدول المعنية بالآلية.

وعندما يتم رفض التوصيات تأتي الدول بمبرراتها.

الرئاسة المغربية ليست جامدة، بل بالعكس مجندة من أجل أن تشرف على المسؤولية الملقاة على عاتقها، وهي من المسؤوليات الكبرى في إطار منظمة الأمم المتحدة.

أود أن ألفت الانتباه إلى أن الأولويات التي يشتغل عليها مجلس حقوق الإنسان في ظل الرئاسة الحالية لها علاقة مع الاستراتيجيات الوطنية في المملكة في ما يتعلق بالتنمية والأمن الغذائي والسياسة القارية على المستوى الإفريقي.

مثلا، إنجازات المغرب في قطاع الأسمدة أصبحت اليوم عنوانا للسياسة الخارجية المغربية.

النقاشات الجارية داخل مجلس حقوق الإنسان ليست معزولة عن الإصلاحات التي قادها جلالة الملك على مستوى المد الاجتماعي والإنساني وفي القطاع الصحي والطاقي.

تولي المغرب رئاسة مجلس حقوق الإنسان لاقى بكل تأكيد إشادة واسعة، لكن في الوقت نفسه تعالت أصوات جمعيات ونشطاء بضرورة استثمار هذا المنجز من أجل تعزيز الحقوق والحريات في المغرب.

ما تعليقك على هذه المطالب؟ نحن هنا في الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان نواكب جميع النقاشات الوطنية ولنا حرص أن تكون تلك النقاشات تجد صداها على مستوى المجلس والأجهزة.

المغرب بكل صراحة راكم تجربة حقوقية كبيرة في 30 سنة الأخيرة، وهي تجربة غنية، والكل يعترف بهذا ونحن هنا نجني ثمار ذلك.

على مستوى المؤسسات، قام المغرب بتعزيز المؤسسات الحقوقية من قبل المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسات أخرى تضع المغرب في طليعة الدول المتقدمة في هذا الشأن.

هناك بناء مؤسساتي في مجال حقوق الإنسان وهو واضح ويشتغل يوميا وعلى جميع المستويات.

أضف إلى ذلك تعزيز الترسانة القانونية وتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة والتوصيات الصادرة عنها.

اليوم، نرى إصلاحات كبيرة قادها جلالة الملك في قلب المجتمع المغربي من قبيل إصلاح مدونة الأسرة والنموذج التنموي الجديد وعدد من القوانين التي تبنتها المؤسسة التشريعية في البلاد.

حقوق الإنسان ليست مجرد نقاشات ومبادئ، بل يجب أن نحرص على تطبيقها على أرض الواقع وعلى أفراد المجتمع المغربي.

هذا تجده أيضا من خلال تقدم المملكة في البناء الديمقراطي وبناء الترسانة القانونية الأساسية في دستور 2011.

كل هذه الإنجازات مهمة جدا بالنسبة للمغرب، مما يجعل المملكة بلدا مستقرا ومنفتحا.

وهنا أشير إلى دور جلالة الملك كأمير للمؤمنين، الذي يرعى التسامح داخل المجتمع المغربي ويرعى خطابا مهما جدا تجاه المنظومة الدولية في ما يتعلق بمحاربة الكراهية وحوار الحضارات وحوار الثقافات، فالمغرب له كل هذا الرصيد في سجل حقوق الإنسان.

يمكن أن تكون هناك انتقادات، وهذا مشروع، ليس هناك دولة واحدة في العالم خالية من بعض النقائص بخصوص حقوق الإنسان.

ما هو أهم أن هناك حوارا داخل المجتمع المغربي في عدد من القضايا الخلافية من قبيل تنفيذ حكم الإعدام والإجهاض.

الحوار دائم داخل المجتمع المغربي ومشروع في بلادنا، وهذا من عناوين ثقافة حقوق الإنسان التي أصبحت راسخة عندنا.

التزامات المغرب الحقوقية هي التي وافق عليها وأقحمها في القوانين والدستور، بمعنى أن المغرب يتعاطى مع الالتزامات الدولية بكل سيادة بالنظر إلى الخصوصية الوطنية.

ويجب الإشارة هنا إلى أن المغرب يتعاطى مع جميع الآليات الحقوقية الدولية.

مثلا، في الاستعراض الدوري الشامل الأخير، وافق المغرب على أزيد من 85 في المائة بخصوص التوصيات.

المغرب بلد منفتح ويقدم كل تقاريره الدورية أمام اللجان العديدة التي تتابع الاتفاقيات الدولية في حقوق الإنسان التي وافقت عليها المملكة.

كيف تتعامل الرئاسة المغربية مع تسييس بعض الجهات القضايا الحقوقية؟ نحن كرئاسة مغربية لدينا مساطر مدققة ومعايير لا يمكن لأي أحد، سواء من المنظمات غير الحكومية أو ممثلي الحكومات، الخروج عنها، ودور الرئاسة هو تنبيه الجميع للامتثال للقواعد.

وعلى سبيل المثال، فرض احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية واستعمال مصطلحات مقبولة ومتداولة في منظومة الأمم المتحدة.

بطبيعة الحال هناك تسييس لحقوق الإنسان واستغلال لها لاستهداف البعض، وهذه مسألة باتت معروفة على المستوى العالمي، وهناك جدل كبير حول هذا الأمر.

وماذا عن الانقسامات الجارية والاصطفافات بشأن الحرب على قطاع غزة؟ هل بات المجلس أمام هذا الوضع عاجزا عن التحرك؟ مجلس حقوق الإنسان، يجب التسطير على ذلك، يسير من لدن الأعضاء والحكومات والدول الأعضاء فيه، ودور الرئاسة هو تنظيم الحوار والنقاشات وفرض احترام القوانين.

ويجب الإشارة إلى أن الرئاسة المغربية ليست مكتوفة الأيدي وتقوم بمشاورات وتناقش كل الأطراف المعنية، وهناك قرارات مهمة اتخذت من قبل المجلس في الدورة السابقة بخصوص الحرب في غزة، أبرزها تتعلق بالوقف الفوري لإطلاق النار وضرورة دخول المساعدات الإنسانية العاجلة للساكنة في غزة جراء هذه الكارثة الإنسانية وأيضا إطلاق سراح جميع الرهائن.

وقد أنصت مجلس حقوق الإنسان لعدد من المقررين الخاصين الذين قدموا معطيات دقيقة ومضبوطة بشأن الحرب الجارية، والمفوض السامي لحقوق الإنسان تناول الكلمة مرارا وتكرارا وأشار إلى أن الجرائم التي اقترفت ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

لا يمكن أن نقول إن المجلس ساكت وصامت تجاه الوضع.

في الأسبوع المقبل، خلال الدورة الجارية، ستكون هناك نقاشات وقرارات جديدة بشأن الحرب.

عموما، موضوع فلسطين هو الرقم السابع في جدول أعمال المجلس وتتم مناقشته في جميع الدورات، والجميع يندد بما يقترف من جرائم ضد الإنسانية، باستثناء دولتين أو ثلاث دول تعارض التوجه العام.

لكن، تبقى قرارات مجلس حقوق الإنسان غير ملزمة للدول، وبالتالي عاجزة عن المساعدة عكس قرارات مجلس الأمن.

ما رأيك؟ في هذه النقطة أختلف معك، قرارات مجلس حقوق الإنسان لها تطبيق واقعي ولها امتداد واقعي.

أخص بالذكر هنا أنه بعد حرب أوكرانيا اتخذت قرارات مهمة، بما فيها توقيف دولة من عضويتها في المجلس.

هناك قرارات مجلس حقوق الإنسان لها صدى في محافل قضائية دولية.

قرارات المجلس عند تعيين المقررين الخاصين مهمة أيضا، حيث يأتي هؤلاء المقررين إلى المجلس ببيانات مدققة ومطالبة بالمتابعات في ما يتعلق بهذه المسألة.

مجلس حقوق الإنسان لديه ميكانيزمات عدة يمكن أن يشتغل بها.

وهناك تفاعل ما بين مجلس حقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة في نيويورك في مختلف الأجهزة التي تشتغل فيها.

ونتابع أيضا المفوضية السامية التي تتقدم بتقارير وبمقترحات وتثير الانتباه في مواضيع عدة.

جميع النزاعات تطرح على مجلس الأمن من غزة إلى السودان، ثم حالة حقوق الإنسان في ميانمار والصراعات في الكونغو؛ أي طرح جميع القضايا دون محاباة أي جهة أو دولة معنية.

في سنة 2021، اتخذ مجلس حقوق الإنسان قرارا بجعل البيئة النقية والمستدامة حقا من حقوق الإنسان، وأدعوكم هنا أن تراجعوا القرار القضائي الذي اتخذ مؤخرا في المجلس الأوروبي ضد دولة عضو في هذا المجلس، حيث من جمل الصك قرار مجلس حقوق الإنسان، لذلك لا يمكن أن نقول إن القرارات تبقى حبرا على ورق أو ليس لها امتداد.

أبدا.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أيام | 3 قراءة)
.