"حرب أوكرانيا" والتضخم يتحكمان في خيارات زبائن "مكاتب الدراسة بالخارج"

في الوقت الذي يحضر مرشحون لنيل شهادة الباكالوريا أنفسهم لمواجهة تحدي مباريات الالتحاق بالأقسام التحضيرية ومؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود أو “مدارس النخبة”، حسم آخرون مصيرهم سلفا واختاروا الدراسة في الخارج، بعدما لجؤوا إلى خدمات مكاتب متخصصة في الوساطة والاستشارة، تتيح لهم التعرف على الشعب والخيارات التعليمية الموجودة في جامعات خارج المملكة، وتكاليف الدراسة والإقامة، مقابل عمولات مالية متباينة، حسب طبيعة الخدمات ووجهة الدراسة.

وكثفت مكاتب الدراسة في الخارج عن عروضها الترويجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أساسا، من أجل استقطاب أكبر عدد من التلاميذ الراغبين في مواصلة دراستهم ببلدان مثل فرنسا وإسبانيا وكندا، وكذا وجهات جديدة من قبيل قبرص ومالطا وتركيا، إضافة إلى إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، فيما تتراوح عمولاتها عن الملف الواحد بين 3000 درهم و15 ألفا، على أساس أن بعض الخدمات تهم التسجيل في جامعات وتحصيل الموافقة منها، فيما تتجاوز أخرى هذه الخدمة إلى توفير السكن والتأمين والنقل والمواكبة إلى حين الالتحاق بالجامعة.

وشهد الطلب على خدمات مكاتب الدراسة في الخارج تحولا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، باعتبار أن هذين البلدين شكلا خلال السنوات الأخيرة وجهة رئيسية للطلاب المغاربة، خصوصا الباحثين عن دراسة الطب والصيدلة والهندسة، فيما سجلت تكاليف الدراسة ارتفاعا مهما بسبب تداعيات التضخم وغلاء المعيشة في عدد من الدول، الأمر الذي جعل الأسعار وفرص الشغل موازاة مع الدراسة وقصر فترات التكوين، عوامل جذب بالنسبة إلى هذه المكاتب، التي يرتبط عدد كبير منها بعقود تسويق مع جامعات ومدارس في الخارج.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} مخاطر النصب رغم النمو المطرد لأنشطة التعليم العالي الخاص بالمغرب، إلا أن الإقبال على الدراسة بالخارج في صعود متواصل، إذ يفضل أزيد من 120 ألف طالب مغربي الالتحاق بمدارس وجامعات أجنبية، بحثا عن تحقيق أحلامهم في التحصيل وبلوغ شهادات في مجالات علمية ومهنية مطلوبة في سوق الشغل الوطنية والدولية، مما انعكس إيجابا على أنشطة مكاتب الدراسة في الخارج، التي باتت تقدم خدمات كبيرة للطلبة وأولياء أمورهم، من خلال تقديم النصح والاستشارة حول الشعب ومجالات التكوين المفيدة، والتكفل بجميع الإجراءات الخاصة بترتيبات السفر والإقامة والعيش.

أوضح محمد مختاري، صاحب مكتب للوساطة في الدراسة بالخارج في الدار البيضاء، أن منسوب المنافسة في هذا القطاع بلغ مستويات متقدمة، من خلال دخول فاعلين لا يتوفرون على الكفاءات والقدرات اللازمة لتدبير هذا النوع من الخدمات، موضحا أن بعض المكاتب التي تسوق لباقات وخدمات بمواقع التواصل الاجتماعي لا وجود لها على أرض الواقع، ولا توفر أية ضمانات لفائدة الطلبة وأولياء أمورهم، مشددا على أن طلبة مغاربة في بعض الدول، بينها تركيا مثلا، اختاروا البقاء هناك بعد التخرج، وعمدوا إلى تأسيس وكالات ومكاتب للوساطة في الدراسة والعلاج والسياحة وأنشطة أخرى، ما تسبب في وقوع عدد مهم من الزبائن ضحايا عمليات نصب محكمة.

وأضاف مختاري، في تصريح لهسبريس، أن تزايد عدد مكاتب الوساطة أدى إلى منافسة شديدة في السوق، مما يتطلب من الفاعلين التميز في خدماتهم لجذب الزبائن، المغاربة والأفارقة، الراغبين في استكمال دراستهم بالخارج، مشددا على أهمية الجودة والخبرة والسمعة في تحديد نجاح أي مكتب، مشيرا في السياق ذاته إلى بعض الجوانب الإيجابية للمنافسة، متمثلة في توسيع نطاق الخدمات، من التسجيل إلى دعم الحصول على التأشيرات وإيجاد السكن وتقديم المشورة حول الحياة في الخارج، وهي الخدمات التي تمت صياغتها في باقات تسويقية، مما جعل من هذه الفضاءات خيارا جذابا للطلبة وأولياء أمورهم.

ضعف المواكبة ما زال قطاع الوساطة للدراسة في الخارج يعاني مجموعة من النقائص على مستوى العرض، رغم المنافسة القوية بين الفاعلين وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة للطلبة وأولياء أمورهم، إذ يعاني عدد من المهاجرين المغاربة للدراسة بالخارج من ضعف المواكبة، ويضطر بعضهم إلى العودة إلى أرض الوطن، بسبب صعوبات التكيف مع متطلبات الحياة في بلدان الاستضافة والاختيارات الخاطئة لشعب التكوين وارتفاع الأسعار والتكاليف المرتبطة بالدراسة والعيش، وهو الأمر الذي أكدته إلهام مصمودي، “كوتش” موجهة بيداغوجية، موضحة في تصريح لهسبريس أن “عددا كبيرا من مكاتب الوساطة في الدراسة تضلل الطلبة وأولياء أمورهم، ولا توفر لهم الاستشارة الصحيحة والمواكبة خلال الأشهر الأولى من الاستقرار بالمدرسة أو الجامعة الأجنبية”، مبرزة أن هذه الفترة تشكل عاملا حاسما في القدرة على الاندماج ومواصلة التكوين.

من جهته، تحدث نبيل عمور، مستشار في مكتب للوساطة في الدراسة بالخارج في مراكش، عن مواجهة الطلاب عند الدراسة في بلد آخر تحديات كبيرة تتعلق بصعوبة التكيف مع الوضع الجديد، مثل فهم الثقافة المحلية، والتفاعل مع الناس، واستيعاب القيم والعادات المختلفة، مؤكدا أن المواكبة تساعدهم على تخطي هذه التحديات والتأقلم بشكل أسرع وأكثر فعالية، منبها إلى أهمية الدعم الأكاديمي، خصوصا بالنسبة إلى الطلاب الذين يعانون صعوبات في الدراسة بسبب الفروق الثقافية وفي الأساليب التعليمية أو اللغة، حيث تتيح المواكبة المناسبة، من خلال الدروس الإضافية أو التوجيه الأكاديمي للمساعدة، تحقيق النجاح الأكاديمي والتأقلم بسرعة مع إكراهات الدراسة بالخارج، مشيرا أيضا إلى ضرورة اعتماد المسؤولين بالمكاتب مقاربة تشخيصية لوضعية الطالب قبل توجيهه، خصوصا أن الطبيعة النفسية لعدد كبير من الطلبة تحول دون نجاحهم في تجربة التحصيل خارج المملكة.

واعتبر عمور، في تصريح لهسبريس، فترة الدراسة في الخارج “مجهدة نفسيا لعدد كبير من الطلبة”، خصوصا الذين يخوضون التجربة للمرة الأولى، بسبب البعد عن الأهل والأصدقاء، وإكراهات التكيف مع بيئة جديدة، مشددا على ضرورة المواكبة في توفير الدعم الشخصي الضروري، مثل المشورة النفسية والاجتماعية، وتعزيز الصحة العقلية للطلاب، منبها إلى أن السلامة والأمان مهمان لضمان سلامة الطلاب، خاصة في بيئات غير مألوفة، من خلال تمكينهم من المعلومات الضرورية حول السلامة الشخصية والأمان في المدينة أو الجامعة التي يدرسون فيها، إضافة إلى تعزيز الاندماج والشعور بالانتماء لديهم، بما يضاعف فرصهم في التكيف بشكل أفضل مع الحياة اليومية والأكاديمية.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 أيام | 5 قراءة)
.