كتاب يكرم عبد الله كنون .. رمز "النبوغ المغربي" ينتصر للتجديد ونقد الجمود

تكريم لعلَم من أعلام “الأمة المغربية”، عبد الله كنون، الذي صان أدبها المكتوب باللغة العربية، بمعناه الواسع الشاملِ مختلفَ تعبيراتها الفكرية والثقافية، ودافع عن استقلالها وقيمها، مع التمسّك بقيمة التجديد ودفع الجمود، يحضر في كتاب جديد صدر بعنوان “الوهج المكنون في آثار عبد الله كنون”، أصدرته أكاديمية المملكة المغربية عن مطبعة “سليكي أخوين”، ضامّا “أعمال الندوة التكريمية للعضو العلّامة”.

ويضع الكتاب عبد الله كنون في سياق عصره، ويشهد عليه “رمزا علميا”، ويفكّر في تصوره للنهضة، والوطنية الأدبية، وتفسيرِه القرآنَ، وترجمته لنفسه، وشاعريته، وتنوع كتاباته وغناها، وحاجتها إلى تجديد القراءة.

وقد شارك فيه عبد الجليل لحجمري، محمد كنون، محمد الكتاني، إدريس الضحاك، فاروق النبهان، الحسن وكاك، إدريس خليفة، محمد نور الدين أفاية، حسناء داوود، عبد الفتاح الحجمري، عبد اللطيف شهبون وأحمد بوحسن.

صاحب “النبوغ المغربي” يهتم به هذا الكتاب الجماعي، وفق دراسة الناقد أحمد بوحسن، لأن “العلامة عبد الله كنون (يمثّل) نموذجا من المثقفين الذين يجمعون بين الثقافة المغربية العربية التقليدية الأصيلة، من فقه وأدب ولغة وتاريخ وتربية وسياسة، والثقافة الأجنبية والحديثة، بطريقته الخاصة، عن طريق قراءات المترجمات الحديثة، كما تعلم الفرنسية والإسبانية بنفسه.

ويمثل كذلك مثقفا مغربيا وطنيا ناضل بعمله وبأفكاره وقلمه ومؤلفاته العديدة ضد الاستعمار ومن أجل إصلاح المجتمع، مرتكزا في ذلك على تعاليم وقيم الدين الإسلامي الحنيف”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، ذكر أن عبد الله كنون “كان جمعا بصيغة المفرد، مناضلا وطنيا، وفقيها، ومفكرا إسلاميا، وعالما لغويا، وناقدا، وشاعرا، ومؤرخا أديبا، ومحققا تراثيا، ومصلحا اجتماعيا، ومعلما تربويا، فاتسعت بذلك خريطة انشغالاته الثقافية والأدبية وتنوعت عنده فنون الإبداعات القولية”، مع حمله “رسالة تجديد الفكر الديني، والدفاع عن استقلال وطنه وسيادته، وتَجْلِيَة خصوصية نبوغ إبداع تراثه، وتصحيح افتراءات المتحاملين على ديننا وتراثنا، مرتكزا رئيسا لمشروعه الوطني الفكري”.

وتابع: “عمل في مؤلفاته على تعزيز الثقة في ذاتيتنا الثقافية وهويتنا الحضارية، وإبراز نبوغنا، الذي لا يقل عن نبوغ غيرنا (…) صادرا في ذلك عن مشاعره الوطنية التي اتقدت بانخراطه منذ صغره في الحركة الوطنية التي عانى آلامها وسجنها بنبل الرسالة الوطنية الصادقة.

وبهذه الرؤية الوطنية المتسعة بمجالات مكوناتها وسعة حدودها رأى أن الوطنية لا يمكن اختزالها في مدينة مغربية واحدة متجاوبا في ذلك مع كتلة العمل الوطني وحركة المقاومة المغربية، ولم تقف حدود وطنيّته في الدعوة إلى التحرر الفكري والوطني من الهيمنة الاستعمارية فقط، بل دعا إلى التحرر من القابلية للاستعمار، فحارب بذلك الوجوه الوطنية التي تحمل قلوبا استعمارية، وهو إلى جانب ذلك يعد من المفكرين الإصلاحيين الداعين إلى تحرير العقل من قيود التقليد وتصحيح الصور النمطية المسيئة، مؤكدا حضانة الإسلام لأرقى القيم الإنسانية مؤمنا بالتكامل والتعايش بين العقل والدين، والهوية والعالمية”.

محمد الكتاني، أمين السر المساعد لأكاديمية المملكة المغربية، كتب بدوره أن “الاهتمام الأول الذي شغل عبد الله كنون في بداية حياته الفكرية هو الكشف عن دور اللغة العربية في تحصين الهوية المغربية، وما يتصل بهذه اللغة من أدب وما يعبر عنه هذا الأدب من ملاحم وطنية وقيم ثابتة، فكان اشتغاله بتأليف “النبوغ المغربي في الأدب العربي” بمثابة إجابة مفصلة عن هوية المغرب اللغوية من خلال الأدب الذي أبدعه شعراء المغرب وكتابه عبر العصور، وكشف في تقديم هذا الكتاب عن الأباطيل والادعاءات المتهافتة المتعلقة بالصراع بين العرب والمغاربة الأمازيغ هذا الصراع الذي كان يرجع إلى التنافس على السلطة والاستفراد بالدولة.

” وواصل: “اعتبر العديدُ من المفكرين والمناضلين السياسيين كتاب “النبوغ” ظاهرة بارزة في سياق انبعاث المغرب السياسي، والدليل على ذلك الموقف الذي اتخذته السلطات الفرنسية عندما أعلنت فيه قرارا عسكريا لمنع الكتاب وسحبه من الرواج في المنطقة الخاضعة لنفوذها، ومعاقبة كل من ضبطت عنده نسخة منه.

” وأضاف أن “الظاهرة اللافتة للنظر في أعمال عبد الله كنون المتعلقة بشتى الاهتمامات الفكرية هي رحابة الفكر لديه، وتعدد مناحيه وتشعب اهتماماته، إذ لم تستقطب نشاطه وجهة معينة.

فهو الفقيه المفتي والكاتب الناقد والمؤرخ المدقق ومحقق التراث والكاتب الصحافي والمفكر الإسلامي.

وهو قبل ذلك الشاعر والناقد المصحح لأخطاء بعض المستشرقين وخصوم الإسلام.

وهو المفسر للقرآن والمطلع على علوم الحديث وأسانيده”، لافتا إلى أن “فكر عبد الله كنون يعد فضاء غير محدود للبحث والكتابة والنقد والإصلاح والتحقيق والتوجيه.

” عضو أكاديمية المملكة المغربية فاروق النبهان سجل، من جهته، أنه عرف “الرمز العلمي الشامخ لمدينة طنجة العلامة الكبير والمفكر والأديب الأستاذ عبد الله كنون الحسني” من خلال كتاباته، قبل أن يلتقي به أول مرة في الدروس الحسنية الرمضانية، التي كان يفتتحها كل سنة بصفته رئيس رابطة علماء المغرب.

كما تطرق إلى خصال عرفه عليها، قائلا: “كان يمثل شموخ الشخصية العلمية في احترامه لرسالة العلم كمنارة هادية في مجتمعها، وكان يمثل ذلك الشموخ في مواقفه وأفكاره”.

وأردف أن الصفة الثانية كونه “كان شديد الاعتزاز بانتمائه المغربي كثقافة ذات إسهام في إغناء التراث الإسلامي من خلال جهد تلك الأجيال المتعاقبة التي أضافت الكثير إلى جهد السابقين، وقد سجل ذلك في كتابه “النبوغ المغربي”، الذي يعتبر من أهم آثاره العلمية”.

والصفة الثالثة التي اتصف بها كنون، حَسَبَ الشاهد، “الحكمة في المواقف التي مكنته من قيادة رابطة علماء المغرب”.

أما عضو أكاديمية المملكة المغربية، محمد نور الدين أفاية، فأشار إلى جانب “استعادة الوعي” عند النخبة المغربية ما بعد الاستقلال، بالانفتاح على شخصيات فكرية مثل عبد الله كنون، ثم أبرز رؤيته التي تحلّت بمنسوب من الجرأة ضد الجمود في الفقه والأدب وعموم الفكر، ومن بين الأمثلة التي قدمها على ذلك كتابه المرجعُ “النبوغ المغربي”.

وكتب أفاية: “عبد الله كنون بقدر ما جعل من تأليف كتاب “النبوغ المغربي في الأدب العربي” مشروعا أدبيا وفعلا وطنيا، تمسّك في الآن نفسه بمنسوب من الجرأة على نقد واقع هذا الأدب، وهيمنة التقليد عليه، ومحدودية متونه ودواوينه، وغياب أعلام كبار، في النثر وفي الشعر، قادرين على التأثير في الذائقة العامة، وعلى تجسيد الصور الإبداعية للأدب المغربي”.

وتابع: “شعوره الوطني الكبير ودفاعه عن “النبوغ المغربي” لم يُعفياهُ من كشف محدودية هذا الأدب أو هذا النبوغ، وتقليدية كتابه وشعرائه، وضعف أبعاده الإبداعية.

ولم تمنعه وطنيته الأدبية من تسجيل ما يلزم من نقد لمضامين هذا الأدب وأشكاله، كما جعلته متيقظا لمظاهر النقص الذي يعاني منه، وهو ما دفعه إلى إدخال إضافات ومعطيات جديدة للطبعات التي توالت للنبوغ المغربي، كان آخرها ما تعلق بقضايا شغلته باستمرار، تتعلق بما أسماه: نهضة الفنون ومشاركة المرأة”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 أسابيع | 3 قراءة)
.