الفيلم السينمائي "الجميع يحب تودا" يسافر بموسيقى العيطة خارج الحدود

أشاد الناقد والإعلامي بلال مرميد بالشريط السينمائي “Everybody Loves Touda – الجميع يحب تودا”، موردا أن نبيل عيوش يصنع أفلاما ويسوقها في أفضل سوق، وذلك بعد عرضه العالمي الأول في فئة “Cannes Première”.

وقدم مرميد ضمن مقال توصلت به هسبريس، معنون بـ”نبيل عيوش يدعونا لأن نحب تُودا”، لمحة مختصرة عن الشريط الذي يدور حول “شيخة” عاشقة لفن العيطة، ويرصد كيف تصر على المقاومة لإثبات ذاتها فنياً، ضمن مسار لم يخل من اغتصاب واستنزاف جسدي ونفسي.

ووصف مرميد حياة تودا بـ”المأساة”، وإن كان الجميع يدعي حبها في فترات عابرة، مضيفا أن فن العيطة نحتفي به في الإعلام، لكن وضع فنان العيطة يثير الشفقة، وتودا خير مثال.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} نص المقال: في السينما لا يكفي أن تكون مبدعاً، من الضروري في زمننا هذا أن تعرف كيف تصنع شريطاً، وتخبر بالخصوص كيف تبيعه.

من العسير أن تهضم أنك مبدع مجتهد في حين أن شريطك لن يشاهده سوى المقربون منك، ولن تصفق له سوى أمك وزوجتك، وبعض من المحيطين بك.

نبيل عيوش يصنعُ أفلاماً ويبيعها في أفضل سوق، ويشاهدها من يقررون في أمور السينما العالمية، وهذا التفصيل يستحق أن يستهل به التطرق لعمله الجديد “الجميع يحب نودا” (Everybody Loves Touda)؛ لننطلق إذن.

يبدأ الفيلم الذي قدم في عرض عالمي أول في قاعة Debussy بحفل تتزاحم فيه أجساد بدويين يحيطون بتودا، التي تطمح إلى نيل لقب “شيخة” في فن العيطة باستحقاق؛ ودورها تلعبه نسرين الراضي.

إنه تمهيد لإقحام تودا في أجواء العيطة، ينتهي بفرارها من الحفل، وملاحقتها في غابة من طرف رجال يرون في “الشيخة” جسداً يفترض دائماً أن يشبع غرائزهم في آخر كل سهرة.

تتعرض تودا للاغتصاب، وتلملم جراحها، وتعود للبيت، لأن لها ابناً من ذوي الاحتياجات الخاصة ينتظر عودتها كل مساء، أو بالأحرى في الساعات الأولى من كل صباح؛ هو محفزها لكي تواصل، ولكي تناضل من أجل كسب قوتها اليومي.

في الفيلم يضع نبيل عيوش فن العيطة في الواجهة، لكن هذه الواجهة ليست بالضرورة مضيئة؛ هي واجهة يضع فيها تودا في مواجهة كل المحيطين بها.

عالم الليل بمصائبه التي لا تنتهي، وفن لا يحسب له أحدٌ حساباً، واستنزاف جسدي ونفسي لتودا التي تصر على المقاومة، لأنها تحمل في داخلها تلك الرغبة في إثبات ذاتها فنياً، وأن تضمن لابنها ياسين فرصة للتعلم داخل مدارس لا تتوفر لأغلبها مناهج تخص الأطفال في وضعية صعبة.

في الفيلم تثبت نسرين الراضي مرة أخرى أنها فعلاً واحدة من أفضل الممثلات عندنا، خصوصاً أن تودا هي الفيلم، والفيلم هو تودا.

نسرين الراضي التي رافقتها بعض الأسماء، من ضمنها جليلة التلمسي وعبد الحق بلمجاهد وأمين الناجي، هي التي افتتحت الشريط، وهي التي تمحورت حول يومياتها البئيسة أحداث الشريط، وهي التي اختتم بها الشريط من خلال لقطة متصلة (Plan-séquence) دامت دقائق كثيرة… مصعد ينقلها إلى طابق علوي، وتؤدي مقاطع في حفل بالدار البيضاء، ثم تغادره بدموع مرفقة بابتسامة.

كل تلك الأحلام لكي تصير فنانة كبيرة في هذا الصنف أقبرتها التجارب الكثيرة.

فن العيطة نحتفي به في لقاءاتنا الإعلامية، لكن وضع فنان العيطة يثير الشفقة، وتودا خير مثال.

في الشريط يكاد المشاهد لا يعثر على إيقاع إلا في الشطر الأخير، رغم حضور الموسيقى والغناء والرقص.

وفي الفيلم كاميرا تقترب كثيراً من الوجوه، لأن الملامح تتكلم، وتقول كل شيء.

ابتسامات مزيفة، وفرح عابر سرعان ما يمنح الفرصة للحزن ليفرض هيبته.

علاقة تقابل تحضر في شطري الفيلم، سواء في الشطر الأول، الذي خصصه عيوش لنقل جزء من يوميات تودا، أو الشطر الثاني الذي تدخل فيه البطلة رحلة البحث عن إثبات الذات في الدار البيضاء.

تقابل في علاقة تودا مع شقيقها الذي يرفض وضعها، وتقابل في علاقتها مع رواد سهرات الليل، ومع مالكي الملاهي، ومع زميلاتها اللائي تبدأ علاقتها بهن كمنافسات، وتنتهي بعداوة تضطرّها للبحث عن مكان آخر تحاول أن تظهر فيه موهبتها الفنية.

تودا تبحث عن التعلم، وضبط أصول العيطة، وأن يعترف بها؛ أن تستحق لقب “شيخة” في فن العيطة الذي بدأ بصرخات نضالية تشق الجبال، وتقاوم المحتل، وصار الآن مجرّد صرخات ألم تحتضنها جنبات الكاباريهات، وبعض من الحفلات الخاصة والأعراس في أحسن الأحوال.

حياة تودا مأساة، وإن كان الجميع يدعي حبها في فترات عابرة.

وفي الشريط انتقل نبيل عيوش من منح البطولة الجماعية لممثلين وممثلات كما فعل في أفلام سابقة إلى منح الثقة لممثلة واحدة هي نسرين الراضي، التي بينت مرة أخرى أنها قادرة على تنويع أدائها في المشهد نفسه، وفي كل مشهد من مشاهد الفيلم.

هل توفق المخرج في نقل الأحاسيس الصادقة للمشاهد؟ لا يمكن الحسم في هذا الأمر، وليس من الضروري أصلاً أن يتفق كل المشاهدين حول هذا الأمر.

التفصيل المهم بالنسبة لي هو أنه طرق باباً، وزار فن العيطة، وخرج باستنتاجات نقل بعضها في شريط سينمائي سيشاهد على نطاق واسع حين سيبلغ مرحلة العرض في القاعات.

كتبت في السطور الأولى أنه في السينما لا يكفي أن تكون مبدعاً.

من الضروري في زمننا هذا أن تعرف كيف تصنع شريطاً، وتخبر بالخصوص كيف تبيعه.

نبيل عيوش عاد إلى مهرجان “كان” وقدم العرض العالمي الأول في فئة “Cannes Première”.

الآن ستنطلق جولة تودا في المهرجانات العالمية، وستسافر ليشاهدها عشاق السينما.

هناك من سيصفق، وهناك من سينتقد، وهناك من سيرحب، وهناك من سيهاجم، وسيختزل الشريط في لقطتين سيرى فيهما وقاحة، وسيرى فيهما مشاهد آخر جرأة.

بالنسبة لي هناك أمر مهم جدا، وهو أن نبيل عيوش يعرف كيف يشتغل في السينما، ويعرف كيف يصنع أفلامه بأسلوبه الخاص، ويعرف كيف يعرضها، ويعرف كيف يروج لها؛ هنيئاً له، وهنيئاً لنسرين الراضي على أدائها الكبير، وبالتوفيق لكل المخرجين المغاربة الذين يحاولون قدر المستطاع أن يصنعوا أفلاماً تُشاهد خارج حدودنا.

نحتاج فعلا أن تسافر سينمانا خارج حدودنا، ونحتاج أن نسمع رجع الصدى من ذلك الآخر.

ألا نجتهد ونصور ونوضب لنعرض أفلامنا لبعضنا البعض.

نبيل عيوش يدعونا لأن نحب تودا، وشخصياً أحب فن العيطة، وسعيدٌ بتودا، وبأداء نسرين الراضي دور تودا، أما التفاصيل الأخرى فهي تحتاج نقاشاً طويلاً، والسلام.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 3 قراءة)
.