بدون عنوان: عصابات استخراج الكنوز تستبيح حياة الصغار بحثا عن الثروات

خيال وخرافة، أوهام وأساطير، حكايات نسجت وتم تداولها، صدقتها عقول واستغلتها أخرى، فكانت وسيلة للاسترزاق، وهمًّا طال أسرا حرمت من أبنائها، بعضهم عرف مصيرهم والبعض الآخر لا يزال طي الكتمان.

رحلة البحث عن عائلات اختطف أطفالها قادتنا إلى إقليم زاكورة، هناك كلما سألت عن أسرة فقدت أحد أبنائها تجد من يدلك؛ فالأمر بات شبيها بالظاهرة.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} محاولات متكررة التقت هسبريس أحمد أمدياز، والد طفلة مختطفة منذ أكثر من عشرين سنة، لم ينعم بها إلا لسنتين ونصف السنة قبل أن تختفي ولم يجد لها أثرا حتى حدود هذه اللحظة.

تحدث الأب المكلوم، في لقائه مع هسبريس، عن ألم لا يزال يعتصر لأكثر من عشرين سنة، كأنه جرح يأبى أن يندمل.

ليس هذا حال أحمد وحده؛ بل حال جميع العائلة التي كانت المختفية أول أحفادهم، وأشار بأصابع الاتهام إلى “عصابات التنقيب عن الكنوز”.

جرح يأبى أن يندمل، معاناة تكررت، منها من انتهت بطريقة مأساوية، كقصة الصغيرة نعيمة ذات الخمس سنوات التي وُجدت أشلاؤها مرمية، وأثبتت التحريات أن الجاني ليس إلا باحثيْن عن الكنوز أدينا بالسجن لسنوات طويلة.

.

قصص أخرى شاء القدر أن لا تنتهي بطريقة مأساوية؛ لكن كان لها التأثير الكبير على من عاشوها، مثل ما حدث مع أسرة أحمد التاعقيلي الذي تعرضت ابنته لمحاولتي اختطاف باءت بالفشل.

وقال التاعقيلي إن ابنته تعرضت لمحاولة الاختطاف عام 2021، حينما كانت في طريق عودتها من المدرسة، وهي طفلة تتابع دراستها في المستوى السادس ابتدائي آنذاك.

وأضاف هذا الأب: “شاءت الأقدار أن يحفظ ابنتي؛ لكن أبناء آخرين لم تحالفهم النجاة، خاصة بعد قضية الطفلة نعيمة باتت كل الشكوك تشير إلى عصابات التنقيب عن الكنوز التي ثبت تورطها”.

يصف الفاعلون المدنيون الاختطاف بالظاهرة بإقليم زاكورة، ويعتبرون أن له جذورا تاريخية بالمنطقة، بات له تأثير خاص على الإحساس بالأمن والطمأنينة.

وفي هذا الإطار، قال إبراهيم رزقو، رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بزاكورة، إن “ظاهرة اختطاف الأطفال تعرفها المنطقة خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، إذ كانت هناك سبع حالات تتبعت الجمعية ملفاتها؛ منها من ظهر مصيرها مثل قضية الطفلة نعيمة التي وجدت مقتولة وجثة بين الجبال تنهشها الكلاب الضالة، أو أطفال آخرون لم يظهر لهم إلى حدود الساعة أثر وما زالت العائلة مكلومة ومصدومة من وقع هذا الاختطاف”.

ورجح رزقو، في حديثه مع هسبريس، أسبابا عديدة لما وصفه بـ”الظاهرة”، قائلا: “قديما، كان يتم اختطاف الأطفال من أجل الرعي في مناطق بعيدة؛ ولكن مؤخرا ظهر بيع الأعضاء البشرية للاستغلال في قضايا السحر والشعوذة، ثم استعمال الأطفال وخاصة الأطفال الزهريين في التنقيب عن الكنوز”.

وأكد رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بزاكورة أن الظاهرة “تركت انطباعا سيئا بالمنطقة، وجعلت الأطفال وذويهم في حالة من الصدمة، وجعلت المنطقة يغيب عنها الإحساس بالأمان”.

التنقيب عن الكنوز بالتوازي مع اختطاف الأطفال، يعرف إقليم زاكورة عمليات حفر ونبش تارة في أضرحة وأخرى في مقابر وحتى مساجد، مواطنون يشهدون على الوضع ويؤكدون أن الحفر سببه الأساسي هو التنقيب عن الكنوز.

التقت هسبريس أحمد التاعقيلي، مواطن بالمنطقة، أرشدنا إلى ضريح حديث تم نبشه من “قبل عصابات التنقيب عن الكنوز”، وأكد أن الظاهرة متكررة توالت ما بين حفر قبور ومساجد وأضرحة.

يربط الأهالي بين ما يجدونه من حفر يوما عن يوم وبين حالات الاختطاف التي عرفتها المنطقة.

وفي هذا الإطار، قال محمد لمين لبيض، فاعل جمعوي بزاكورة: “على إثر الحالات التي يعرفها إقليم زاكورة المتعلقة باختفاء واختطاف الأطفال وبالخصوص من يسمون بالزهريين، يعرف الجميع أن مجموع هذه الحالات يتم تقديمها كقربان أو تستعملها عصابات للتنقيب عن الكنوز”.

وأكد لبيض، ضمن تصريح لهسبريس، أن “مجموعة من المقابر بالإقليم تطاولت عليها العصابات التي تشتغل في خفاء وسرية، وتم حفر عدد من الأضرحة، ومن المحتمل أن حالات الاختفاء مرتبطة بهذا الأمر”.

أرقام جرائم التنقيب عن الكنوز اختطاف الأطفال ليس أمرا حكرا على إقليم زاكورة، فالأمر تعرفه مختلف أقاليم المملكة، وكذلك الأمر بالنسبة لجرائم التنقيب عن الكنوز.

دقت هسبريس باب النيابة العامة، التي أكدت أنه لا يمكن اعتبار اختطاف الأطفال للتنقيب عن الكنوز ظاهرة، رغم وجود حالات مؤكدة.

وفي هذا الإطار، قال محمد شبيب، رئيس شعبة حماية الأسرة والفئات الخاصة برئاسة النيابة العامة، إن “هذه القضية تدخل في صلب اهتمام النيابات العامة؛ لأن اختطاف الأطفال هو أمر غير مقبول، وتوفير حماية للأطفال هو من صميم أولويات تنفيذ السياسة الجنائية”.

عن تعدد حالات اختطاف أطفال من أجل استخراج الكنوز، أوضح شبيب، ضمن تصريح لهسبريس، إنها “تبقى إلى حد الآن محدودة، ولا يمكن وصفها بالظاهرة؛ بل هي فقط مجموعة من القضايا المسجلة على المستوى الوطني”.

وقدم رئيس شعبة حماية الأسرة والفئات الخاصة برئاسة النيابة العامة أرقاما عامة فيما يتعلق باختطاف الأطفال لتوظيفهم في مجموعة من العمليات التي تعتبر “فعلا إجراميا”، مؤكدا أنه في سنة 2020 تم تسجيل 217 قضية تتعلق باختطاف الأطفال كلها جنايات، وارتفع الرقم سنة 2021 إلى 229 قضية، وانخفض بعد ذلك إلى 204 قضايا.

وأكد شبيب أن “اختطاف الأطفال هو موضوع يحظى بأهمية خاصة نظرا لما يؤدي إليه من مخاطر تهدد سلامة الطفل الجسدية والنفسية، وتصل للأسف إلى حد المساس بحياته والحق في الحياة هو حق مقدس”.

بحثت هسبريس عن قاعدة بيانات خاصة بالمحاكم المغربية، ورصدت أنه خلال الخمس سنوات الماضية أصدرت المحاكم الابتدائية على الصعيد الوطني أربعمائة حكم مرتبط بقضايا البحث عن الكنوز، وأصدرت محاكم الاستئناف ثمانية وستين حكما.

وتحدث شبيب عن وجود مقتضيات قانونية تُجرم أي تنقيب عن الكنوز، وقال: “بالعودة إلى القانون الجنائي نجد الفصل 528 الذي يجرم كل من عثر على كنز ولو كان في ملك له ولم يخطر به السلطة العامة يعتبر جريمة يعاقب عليها بغرامة مالية.

وفي الفقرة الثانية من نفس الفصل يتحدث المشرع كل من عثر على كنز وتملكه كله أو بعضه دون أن يصدر له إذن بذلك من الجهة القضائية، بمعنى أن تملكه بدون إذن من السلطة المختصة، يرفع العقوبة إلى عقوبة حبسية بالسجن من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهم”.

ورصد المسؤول ذاته برئاسة النيابة العامة، أيضا، الإطار القانوني الذي ينظم الكشف عن المناجم واستخراجها بصفة عامة.

أما في الجانب المتعلق باختطاف الأطفال، قال شبيب هو “فعل مجرم قانونا”، وتم تصنيفه في القانون الجنائي إلى صنفين جنحة أو جناية.

وأفاد المتحدث ذاته بأن “أغلب الحالات التي يمكن أن يلجأ الشخص فيها إلى اختطاف طفل واستعماله في استخراج الكنوز تكون دائما جناية، لأنه يتم اختطاف الطفل ضدا على رغبته”، لافتا إلى أن “المشرع شدد العقوبة التي تتعلق باختطاف طفل غير مميز داخل سن اثنتني عشرة سنة، وهنا نشير إلى القضايا التي تم تسجيلها مؤخرا إعلاميا أي الأطفال الذين تم خطفهم وتوظيفهم لغاية استخراج الكنوز إما لسمة خلقية أو خلق ما… وهم غالبا أشخاص يسهل استدراجهم من أجل عملية استخراج الكنوز… المشرع تنبه إلى هذه القضية وقال بأن العقوبة ترفع من عشر سنوات إلى عشرين سنة وكذلك الغرامة المالية”.

أفعال مُحرمة هي أفعال لا يجرمها القانون فقط، بل حتى الدين له رأي فيها، يحرمها ويوصي بعدم الاقتراب من أصحابها.

وفي هذا الإطار، قال لحسن بن إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، إن “مقتضى الإيمان أن يبتعد الإنسان عن مثل هذه الأشياء، سواء تعلق الأمر باتباع الهوى والرغبة في الكسب الحرام والاغتناء بدون عمل”.

وأضاف السكنفل، في لقائه مع هسبريس، أن اختطاف الأطفال لأغراض استخراج الكنوز يقوم به أناس “عقيدتهم فاسدة”، ناهيك عن أن الأمر يرتبط بما يسمى “الحرابة”.

وشرح السكنفل هذه الأخيرة قائلا: “هو نشر عدم الأمن في المجتمع، أي حين يصبح الناس لا يأمنون على أنفسهم ولا على أطفالهم ولا على أموالهم، فيصبح من يقومون بهذا العمل محاربين، والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: إنما جزاءُ الذين يُحاربُون الله ورسُولهُ ويسعون في الأرض فسادا أن يُقتلُوا أو يُصلبُوا أو تُقطع أيديهم وأرجُلُهُم من خلافٍ أو يُنفوا من الأرض”.

وأعدت وزارة الشباب والثقافة والتواصل مشروع قانون يتعلق بحماية التراث الثقافي والتراث الطبيعي والتراث الجيولوجي، يتضمن مقتضيات قانونية وعقوبات تروم التصدي لعصابات التنقيب عن الكنوز وتقييد الاتجار في المنقولات والحد من سرقتها.

في المقابل، تتعالى مطالب بضرورة إيجاد حلول تحمي الأطفال وتقيهم عذاب هؤلاء المجرمين.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 3 قراءة)
.