دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال

طبعة جديدة لـ”أوراق من دفاتر حقوقي” قدّمت برواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، نوقِشت في إطارها، أمس الأحد، شهادة نقيب المحامين محمد الصديقي عن المغرب المعاصر، الذي سبق له أن كان عضوا بالمجلس الدستوري، وشغل مهام بارزة سياسيا وإعلاميا، وعرف خبايا أحداث بارزة خلال المحاكمات السياسية، وفي علاقة بحزبه الاتحاد الوطني ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

عبد الرحمن العمراني، الأستاذ الجامعي ورئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة فاس- مكناس، قال إن كتاب الصديقي “وثيقة مرجعية لكل المشتغلين في الحقل الحقوقي” بمختلف انتماءاتهم، ويقدّم “صورة واضحة وصافية عن تطورات المشهد السياسي من وجهة نظر رصينة؛ فصاحب الكتاب عاش ميدانيا فصول المشهد السياسي والحقوقي في أغلب فتراته” منذ استقلال المملكة.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وتابع قائلا: “هذه الأوراق (أزيد من 400 صفحة) تعكس الهوية الإنسانية والمعرفية والحقوقية لمحمد الصديقي (…)، وتشخّص أوضاع القطاع من حيث الوضع القانوني والتشريعي (…) بصدق، ودقة في التفاصيل، وأمانة علمية، ونزاهة فكرية، وواقعية، واحترام لكل الآراء، ولباقة في التعامل مع كل الفرقاء”.

وتحدّث المقدّم عن الروافد والتكوينات المتعددة في شخصية الكاتب، فهو ذو “تركيب فريد، وطني من الرعيل الثاني بعد الرعيل الأول، تشبع بالوطنية منذ طفولته، وساهم في تحديد الاختيارات الإيديولوجية والسياسية لحزبه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو إعلامي متشبع بأساسيات ومرجعيات التقدمية، كما أنه ملم بقواعد وفن المسرح”.

وأردف “هو ذو نبل أخلاقي وحس إنساني عال، في طليعة المميزين في الحقل القانوني، لم يكن يبحث عن المسؤوليات، بل كانت تبحث عنه (…) ومنذ فقرات كتابه الأولى يقول إنه ليس من عاداته الحديث عن نفسه”، وشهد في عمله على شخصيات، من بينها عبد الرحيم بوعبيد، الذي فتح عينيه في مكتبه، وعبد الرحمان اليوسفي، وآخرين “لا يمكن أن نتحدث عن دعائم دولة الحق والقانون دون استحضار إسهاماتهم وأدوارهم”.

والصديقي “في وئام وتكامل بين التكوين والتفكير الرصين”، كان في مساره مسؤولا ونقيبا للمحامين، ومؤسسا للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وهيئة التحكيم المستقلة لضحايا سنوات الرصاص، وكان عضوا بالمجلس الدستوري، ناهيك عن المسؤوليات السياسية والحزبية التي تقلّدها في مسار عمله الطويل.

لهذا جاء هذا المؤلف “هاما بأضواء كاشفة على خصائص مرحلة شد وجذب قصوى، وعلى محنة الحقوق والحريات، والرّجّات الحقوقية الكبرى مثل قضية المهدي بنبركة، ومرحلة الانفراج وبداية التأسيس للانتقال الديمقراطي، التي لم تخل هي الأخرى من هزات ومحاولات الالتفاف، كما يبين ذلك”.

لكن الصديقي بقي محافظا على “ثبات واستمرار في التحليل”، مقدما “رؤية من شأنها نقل البلاد إلى وضع حقوقيّ أرقى وأكثر انسجاما مع المطمح الديمقراطي الموجود منذ أول صفحة وإلى آخر الكتاب الذي تتكشّف فيه أحداث، حتى لمن شهدها، بشكل آخر، فينبه إلى تفاصيل، ويقدم أضواء وظلالا لم تكن حاضرة في الوعي حول محاكمة النقابي نوبير الأموي ومناقشات هيئة الإنصاف والمصالحة”.

النقيب محمد الصديقي تفاعل، من جهته، مع أسئلة الجمهور، قائلا إن كتابه “مساهمة بوجهة نظر”، وإن المغرب “حقق كثيرا من الإنجازات بالتأكيد منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين”، لكن “ما تحقق إلى حد الآن بحاجة إلى مزيد من الترسيخ، والتأصيل، والتطوير، من المعيقات والمثبطات الكثيرة، خاصة مع التحول الاجتماعي الخطير الذي تعرفه بلادنا، ويحتاج تأطيرا أكثر انسجاما، خاصة فئة الشباب المتطلعة إلى مستقبل أفضل على جميع المستويات”.

وأضاف أن “المسيرة بحاجة إلى مزيد من الإصلاحات والمبادرات المرسخة للمكتسبات، وأقصد جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكلنا نعرف أوضاعا تعانيها أغلبية ساحقة من السكان خارج المدن والحواضر، رغم الجهود، فلا تزال الفئات الشعبية من المغاربة بحاجة إلى كثير من العمل لتستفيد من الثروة الوطنية (…)، والأملُ أن تتطور المجهودات في المجال إلى أحسن وأفضل”.

وتفاعل الصديقي مع سؤال آخر قائلا إن المعارك الأساسية التي جرت كانت حول “استقلال القضاء”، وهو ما “تحقق من خلال الدستور، وساهم القضاة في المرحلة التي نعيشها اليوم، والجمعيات المنظمة للمهنة أيضا (للخروج) بأقصى عدد من الضمانات للفعالية”، قبل أن يضيف “لا يزال المطلوب بذل الكثير من المجهودات للارتقاء بالمؤسسات القضائية لبلادنا إلى مستوى أحسن، والحكم بالقانون والقانون وحده”، لافتا إلى أهمية أن يكون “الممارسون في مستوى عال من التكوين والأخلاق”.

وفي رده على سؤال حول مسؤولية الإعلام في الزمن المغربي الراهن، أكد النقيب الصديقي، الذي سبق له أن كان مسؤولا بجريدة “التحرير” الممنوعة، ومسؤولا بجريدة “الاتحاد الاشتراكي”، أن “على الصحافيين أن يحظوا بقدر كاف من التكوين، والإحساس بالمسؤولية الملقاة على أكتافهم ودورهم في المجتمع، وإذا تم هذا فباستطاعة رجال الإعلام القيام بما قامت به الأجيال السابقة وأحسن لأن لهم وسائل تقنية تمكنهم من أن يكونوا أكثر التصاقا بمشاكل المغاربة وما يعانيه المواطنون.

بقدرِ تمتعهم بالحصانة الذاتية والتكوين بقدر ما يستطيعون تطوير الممارسة المهنية للإعلام”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 4 أسابيع | 8 قراءة)
.