«شهيد العنصرية».. وأهالي «ميزوري» الشرفاء!!

«شهيد العنصرية».. وأهالي «ميزوري» الشرفاء!!

التعامل الهمجي للسلطات الأمريكية مع طلاب الجامعات ومظاهراتهم السلمية، والمداهمات والاعتقالات في عدد من الجامعات والولايات، يكشف من جديد الوجه الأمريكي «الحقيقي»، الذي لا يعرفه الكثيرون، والمسألة هنا لا تتعلق فقط بـ «إسرائيل»، لكننا أمام نظام عنصري بطبعه لا يقبل الآخر، يرتدي «مسوح الملائكة»، عندما يتعلق الأمر بالآخرين، يتغنَّى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ليقتل البسطاء في العراق وليبيا وسوريا واليمن.

لقد أعاد ما يحدث إلى ذاكرتي، مقالاً بعنوان: «شهيد العنصرية» وأهالى «ميزوري» الشرفاء!!، كنت قد نشرته قبل عشر سنوات، للحديث عن وقائع مشابهة جرت في ولاية أمريكية.

.

وأعيد نشره حتى لا تخدع البعضَ كلماتُ تجار «الدين والدم»، وما يردده سكانُ «البيت الأسود»، عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

(رحت أسأل نفسي: هل لا تزال هناك بلاد يُـقتَـل فيها المواطن بسبب لونه؟!!.

.

إذا كان الإنسان يستطيع أن يخفي ديانته، أو يغـيِّر عقيدته، أو يتنازل عن رأيه، أو حتى يتظاهر بذلك ليحمي نفسه من سلطة بلاده العنصرية القمعية، فكيف له أن يغيِّـر لون بشرته الأسود، ليحافظ على حياته؟!.

.

لقد شعرت بمزيد من الحزن المشوب بالتوتر والقلق، وأنا أتابع أخبار احتجاجات المواطنين الأمريكيين السلمية في ولاية «ميزوري».

.

وما يعانيه السود هناك من ظلم وقهر وبطش واغتيال معنوي، لا لشيء ســوى أن بشرتهم سوداء!!.

لم أكن أتصـوَّر - ونحن نعيش في القرن الـ21، قرن حقـوق الإنسان - أن تعــود بنا السلطات الأمريكية إلى قرون سحيقة وتتعامل بهذه الوحشية والهمجية مع مواطنين عـزل يمارسون حقهم الإنساني في الاعتراض على مقتل مواطن من ولايتهم، أو بالأحرى اغتيال طفل لم يتجاوز الــ«18» عامـًـا، يُدعى «ميشيل براون»، على يـد ضابط شرطة.

المواطنون الأمريكيون، لم يرتكبوا جُرمـًـا.

.

فقط انتابهم شعور بالغضب، بعد قيام الشرطة باستهداف طفل أسود البشرة بست رصاصات غادرة: اثنتين في الـرأس، وأربع في مناطق مختلفة من جسده، وكلها أُطلقت من مسافة بعيدة، في الوقت الذي لم يكن فيه الطفل مسلحـًـا، ولم يبـدِ أيَّ مقـاومة، ولم يحاولِ الهرب.

غضب مشروع.

.

خاصة أن السلطات الأمريكية لم تكتفِ بالقتل بسبب لون البشرة، بل حاولتِ «الطرمخة» على القضية، فشوهت سمعة الطفل، ولفَّقت له تهمة «سرقة سجاير» من أحد المتاجر بالولاية لتبرر عملية قتله.

.

وقالت: «إنه استولى على علبة سيجار ورفض أن يدفع ثمنها»!!.

.

ثم سرَّبتِ الشرطـة مقطع فيديو ــ زعمت أنه من كاميرا للمراقبة ــ يظهر فيه الطفل القتيل وهو يسرق الـمتجر!!.

.

وهو ما أثار غضب أسـرة «شهيد العنصرية» وأهالي ولايته.

ولا أدري، هل تمتلك الشرطة الأمريكية سلطة توجيه الاتهام، وإصدار الحكم، وتنفيذه في ثوانٍ معدودة؟!.

.

وهل سرقة علبة سيجار عقوبتها القتل؟!!.

إذا كانتِ الشريعة الأمريكية، أو الدستور هناك يسمح بذلك، فما هو العقاب يا تـرى لو سرق المواطـن علبة سيجار، وولاعة وطفاية ــ لزوم التدخين ــ وقام بالسطو على علـبة عصير «يـرطب بيها على قلبه» بعد شرب السيجار؟!!.

كانتِ الواقعة - قتل طفل أمريكي بسبب بشرته السـوداء - ستبدو حادثــًـا عنصريـًّـا فرديـًّـا، لو أحالتِ السلطات الأمريكية الضابطَ للتحقيق، ثم اعتذرت عن القتل.

.

لكنها للأسف رفضتِ الإفصاح عن اسم الشرطي القاتل في البداية، وتعاملت بقسوة مفرطة مع المظاهرات السلمية، التي خرجت للتعبير عن رفض القتل بسبب اللون.

لقد انتهجتِ السلطات الأمريكية ممارسات غير آدمية ضد المتظاهرين السلميين دون أدنى اعتبار للحزن الكامن في الصدور، ليخيم على الولاية دوي إطلاق النيران، والاستخدام الكثيف لقنابل الدخان، والرصاص المطاطي.

ويبدو أن أمريكا تعاني أزمة مياه طاحنة، حالت دون استخدام الشرطة لخـراطيم المياه في تفريق المتظاهرين الذين قدَّرتـهم السلطات الأمريكية بالعشرات، الأمر الذي دفع حاكم الولاية لحظر التجوال، وارتكاب أعمال عنف ضد المحتجين السلميين أودت بحياة مواطن آخر.

وكما حدث مع الطفل «شهيد العنصرية»، حاولتِ السلطات الغاشمة في الولايات المتحدة تشويه صورة المتظاهرين لتبرير التعامل الوحشي مع المظاهرات السلمية التي اندلعت في ضاحية «فيرجسون» الواقعة في مدينة «سانت لويس».

.

وقالت: «إن المحتجين كانوا متوجهين إلى أحد مراكز قيادة للشرطة، يحاولون اختراق الموقع الشرطي، وقذفوا رجال الأمن بزجاجات «المولوتوف» الحارقة، واعتدوا على المارة، مما استدعى الرد»!!.

كذب واضح وتزييف فاضح.

.

فالمحتجون في هذه التظاهرة وفق وسائل الإعلام الأمريكية لم يتجاوز عددهم 400 شخص أغلبهـم من الأطفال ــ أصدقاء وجيران «شهيد العنصرية» ــ كانوا متوجهين إلى أحد مراكز الشرطة للإعلان عن غضبهم بشكل سلمي وحضاري وراقٍ بعد قتل الطفل صاحب البشرة السوداء.

ليس هذا فقط، بل اتهمتِ السلطات الأمـريكية المتظاهرين السلميين، الذين راحوا يعبِّرون عن رأيهم بطريقة سلمية تكفُلُها الأعراف والمواثيق الدولية، بارتكاب أعمال سرقة وسلـب ونهـب للمحلات التجاريـــة، وأعلن حاكم ولايـة «ميـزوري» أنـه وقَّـع أمـرًا بإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال في المدينة، لأن التظاهرات تطورت إلى أعمال نهب استهدفتِ المراكز التجارية.

.

وقال: «إن المتظاهرين يعتزمون ارتكاب الجرائم وتعريض المواطنين للخطر.

.

وهذا غير مقبول»!!.

أعرف أن التطور العلمي والتكنولوجي في الولايات المتحدة الأمريكية كبير.

.

لكن هل يتيح ذلك للسلطات هناك «قراءة الطالع» أو معرفة الغيب؟!!، وهل في أوربا والدول المتقدمة يعرف المسئول ما يدور في أذهان المتظاهرين؟!!.

.

يبدو أن ذلك كذلك، وهو ما دفع الشرطة إلى قمع المتظاهرين ومنعهم من ممارسة حقهم في التعبير عن رأيهم، ولِـمَ لا؟.

.

طالما نيتهم «مش صافية»!!.

وعلى طريقة دول العالم الثالث، استخدمتِ الشرطة الأمريكية بعضَ المدنيين لمواجهة المحتجين وقالت: إن «المواطنين الشرفاء!» من أهالي ضاحية «فيرجسون» يتصدون لعمليات التحطيم، والنهب، والسرقة، التي تتعرض لها المحال التجارية!!.

ولم يتوقفِ الأمر عند القتل بسبب اللون، ومصادرة حقوق الشعب الأمريكي الشقيق في التعبير عن رأيه، بل امتدتِ الإجراءات القمعية إلى مصادرة حق الأمريكيين في تداول المعلومات ومعرفة ما يجرى على الأراضى الأمريكية، فحاولتِ السلطات التغطية على هذه المهزلة التاريخية، بالتضييق على الصحفيين، ومنعهم من ممارسة عملهم، ووصل الأمر لاحتجاز بعضهم، للتعمية على ما يجرى من انتهاكات خطيرة بحق المتظاهرين السلميين.

وهو ما أدانه «الاتحاد الدولى للصحفيين» الذي انتقد بشكل «سلمي» ممارسات السلطات الأمريكية ضد الصحفيين المحليين والأجانب ممَّن يقومون بتغطية الاحتجاجات، ووصف الاتحاد في بيان له، الممارسات الأمريكية بـ«الأمر المخجل»، مشيـرًا إلى أن رجال الشرطة «هددوا الصحفيين بالعنف، وطلبوا منهم مغادرة أماكن الاحتجاج»).

مصر      |      المصدر: بوابة الأسبوع    (منذ: 2 أسابيع | 1 قراءة)
.