الإرهاب ما بين التسييس والبرمجة

في العقود الأخيرة تمّ استخدام حقوق الإنسان والإرهاب كأدوات سياسية وبشكل مسرف ومبتذل، فحين يكون طرف ما حليفًا للغرب ويحقّق للقوى المهيمنة على الساحة الدولية مآربها ومقاصدها ويفتح ثروات بلاده على مصراعيها لها، يتم التغاضي عن أي انتهاكات يفعلها أو جرائم يقترفها.

أما حين يقع خلاف أو تضارب في المصالح، تُفتح الملفات بل وتضخم الأفعال أحيانًا وقد يتم اختلاق بعضها.

مسألة استخدام الإرهاب وتوظيفه تمّت في مناسبات كثيرة، غير أن ما جرى في موسكو من هجوم على حفلة موسيقية في 22 مارس/آذار الماضي كان لافتًا، فقد اتهمت روسيا الولايات المتحدة وحلفاءها بالوقوف وراء الهجوم، رغم تبني "داعش" له واعتقال منفذيه الذين تبين أنهم من طاجيكستان.

هجوم موسكو كان المثير للانتباه وربما للتعجّب والاستغراب، التحذير والذي وجهته سفارة الولايات المتحدة في موسكو قبل أسبوعين من الحادثة والذي ألمح إلى طبيعة الهجوم، وجاء فيه أن متطرفين يخططون لمهاجمة تجمعات كبيرة في موسكو، بما في ذلك الحفلات الموسيقية في المستقبل القريب، وطلب التحذير من المواطنين الأميركيين تجنب التجمعات الكبيرة.

وعلى الرغم من توقيف منفذي هجوم موسكو، الطاجيك فإن رئيس جهاز الأمن الفدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف وبعد أربعة أيام من الحادثة، أعلن أن أجهزة استخبارات غربية وأوكرانية ساعدت منفذي الهجوم، وقال بورتنيكوف لوسائل الإعلام: إن الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأوكرانيا تقف وراء الهجوم الإرهابي، كما نقلت وكالات أنباء روسية عنه قوله: نعتقد أن العمل تم التحضير له من جانب متطرفين إسلاميين، وبالطبع سهلته أجهزة استخبارات غربية، والاستخبارات الأوكرانية نفسها لديها صلة مباشرة بالأمر.

يبدو أن روسيا على قناعة شبه كاملة بدور غربي أوكراني في الهجوم، وإن لم تكن قادرة بعد على إثبات ذلك، ففي محادثة جرت في الثالث من أبريل/نيسان بين وزيري دفاع روسيا وفرنسا سيرغي شويغو، وسيباستيان لوكورنو، أعرب الوزير الروسي عن أنّ موسكو تأمل بألا تكون أجهزة الاستخبارات الفرنسية متورطة في الهجوم على قاعة الاحتفالات.

نتنياهو صرح غير مرة بأنه يحارب الإرهاب نيابة عن الغرب، ويدفع عنه شروره، على الرغم من اقترافه جميع أشكال الإرهاب وأساليب حرب الإبادة في قطاع غزة.

يشير كثير من المراقبين، معتمدين على أحداث تم توثيقها – وسأستعرض نماذج منها، وعلى توظيف تلك الأحداث، إما تمهيدًا لتدخل عسكري أو للحصول على مكاسب سياسية – إلى أن كثيرًا من الحوادث الإرهابية في الواقع مبرمجة، وأن العديد من الجماعات التي تقترف تلك الأعمال الإرهابية مخترقة حتى العظم.

مظاهرات سلمية بعد أكثر من نصف عام على حرب الإبادة في غزة، وبالرغم من الغضب الشعبي العارم عربيًا وإسلاميًا، وعلى الرغم من وجود أنصار ومؤيدين لحماس في أرجاء المعمورة، وفي الغرب على وجه التحديد، لم تقع حادثة عنف أو إرهاب واحدة كردة فعل عما يجري من فظائع وتجاوزات.

بل إن المظاهرات العارمة والمتتالية والمحتجّة على وحشية الاحتلال وحرب الإبادة التي يشنها بحق أطفال وأهل غزة جرت في مجملها في أرجاء المعمورة من غير أعمال عنف ولا شغب.

لماذا اختفت عمليات "الإرهاب" أو الردود العنيفة كردة فعل على مجازر غزة ومحرقتها؟ لأن مصلحة الغرب وإسرائيل في موضوع غزة وبتقديري تقتضي التهدئة وعدم إشعال فتيل أعمال عنف قد تتطور لغضب شعبي وأوضاع تخرج عن السيطرة.

وللتذكير فإن حماس ومنذ تأسيسها لم تقم بأي عمل عسكري خارج حدود فلسطين، بينما لم تتوقف دولة الاحتلال عن عمليات عسكرية واغتيالات في الخارج.

في عام 2010 أدين أربعة رجال فيما يسمى قضية "نيوبورغ فور" في الولايات، بتهمة التخطيط لتفجير معابد يهودية ومهاجمة قاعدة عسكرية أميركية، وتم الحكم عليهم بالسجن 25 عامًا، كان المحرض على هذا العمل مخبر من مكتب التحقيقات الفدرالي استغلّ حاجتهم للمال، عارضًا عليهم مبالغ طائلة، وهو من زودهم بالوسائل والتشجيع لتنفيذ المؤامرة المزعومة.

مجرمون ذوو حظ سيئ في مطلع العام الجاري، أمر قاضٍ أميركي بإطلاق سراح آخر رجل أدين في تلك القضية – وكانت القاضية كولين مكماهون قد أمرت بالإفراج عن الرجال الثلاثة الآخرين في المجموعة في يوليو/تموز 2023- وقال القاضي: إن المتهم جزء من مجموعة تم التلاعب بها من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي، واصفًا القضية بأنها سيئة السمعة، ووصف الرجال بأنهم مجرمون صغار سيِّئو الحظ، يُمكن للحكومة التلاعب بهم بسهولة في عملية لاذعة.

رضوان فردوس مواطن أميركي اعتقل في سبتمبر/أيلول 2010، وأقر بضلوعه في مخطط لتفجير مبانٍ فدرالية أميركية في صفقة مع الادعاء تسمح بتخفيض عقوبته، وتمّ الحكم عليه بالسجن لمدة 17 سنة.

وبحسب تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" فإن أحد عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي قال لوالده: إنه كان من الواضح أن ابنه يعاني من مشاكل عقلية، وأنه قد تم استهدافه في عملية مخادعة، وأُرسل له مخبرٌ إلى المسجد، وقام هذا المخبر مع فردوس بإعداد مخطط لمهاجمة البنتاغون والكونغرس، ووفر مكتب التحقيقات الفدرالي أسلحة وهمية له وموّل سفره.

وفي فترة الكشف عن المخطط، راحت سلامته العقلية والبدنية تنهار، وصار يعاني من اكتئاب ونوبات، الأمر الذي اضطر والده إلى الانقطاع عن العمل لرعايته.

في فبراير/ شباط من عام 2008، أوقفت السلطات المغربية المواطن المغربي – البلجيكي عبد القادر بلعيرج، ومجموعة من الأشخاص بقضايا تتعلق بالإرهاب والتصفية الجسدية وتهريب الأسلحة.

وحكم عليه بالسجن المؤبد بعد اتهامه بقيادة مجموعة إسلامية مسلحة، وبارتكاب 6 جرائم قتل وبتهريب السلاح وتهديد أمن الدولة.

وقال محاميه محمد زيان أثناء المحاكمة: إن موكله أجرى اتصالات مع الحركات الإسلامية في بلجيكا لحساب جهاز المخابرات البلجيكية، معترفًا بأن موكله ضبط وبحوزته سلاح كان موجهًا في الأصل إلى حركات مسلحة في الجزائر، لكنه وجد طريقه إلى المغرب.

وقد أثارت قضية بلعيرج جدالًا كبيرًا في بلجيكا بعد أن تم الكشف عن ارتباطه بأجهزة الأمن البلجيكية لأكثر من ثماني سنوات.

وعلى الرغم من إدانته في المغرب، فإن النيابة الاتحادية في بلجيكا برأت بلعيرج في أبريل/نيسان 2015، وطالبت بإخلاء سبيله، رغم اتهامه بارتكاب ست جرائم قتل في بروكسل في ثمانينيات القرن الماضي، وانتمائه إلى منظمة إرهابية، وقتها علقت ميشيل هيرش، محامية عائلة جوزيف ويبران -أحد ضحايا بلعيرج المفترضين- بأنّ المدعي العام وبمطالبته إخلاء سراح المتهم، يريد أن يخفي بعض الحقائق.

المراهقات البريطانيات قضية المراهقات البريطانيات من أصل آسيوي: شميمة بيجوم، وكاديزا سلطانة، وأميرة عباس، اللواتي سافرن من بريطانيا في بدايات عام 2015 ليلتحقن بـ "داعش" في سوريا عن طريق تركيا، كانت مثالًا صارخًا للعب بقضية الإرهاب وتسييسها على المستوى الدولي، وكانت تركيا اتهمت -حينها وبصراحة – دولًا غربية بمحاولة توريطها وتصويرها كدولة داعمة للإرهاب.

كان السؤال المثير للريبة، كيف سمحت السلطات البريطانية لمراهقات أعمارهن نحو 15 عامًا بالسفر بمفردهن؟! ومع حملة من الاتهامات المتبادلة بين تركيا ودول غربية، أعلنت أنقرة وبعد تحقيقات مطولة ومعقدة عن اعتقالها محمد الرشيد، طبيب الأسنان السوري الذي نقل المراهقات إلى سوريا، حيث اعترف بعمله لصالح الاستخبارات الكندية والتي وعدته بمنحه الجنسية في حال تعاون معها، وأنه حصل منها على آلاف الدولارات عبر تحويلات مالية.

وقالت تقارير صحفية تركية: إن العميل ساعد 150 شخصًا للانضمام إلى تنظيم "داعش" خلال أقل من عامين.

وأعلنت أنقرة أنها أعدت ملفًا موثقًا حول التنسيق بين الشاب السوري والمخابرات الكندية، وعن تنقلاته وتحركاته واتصالاته بالكنديين.

تقارير إعلامية تركية نقلت حينها عن مصادر استخباراتية أنه من المحتمل أن تكون أجهزة المخابرات الإسرائيلية هي التي استخدمت المخابرات الكندية في هذه العمليات للتمويه والتخفي.

هذا غيض من فيض، من مسألة استخدام الإرهاب في قضايا مريبة لتحقيق أهداف سياسية أو لتشويه سمعة دول أو منظمات أو لوضع المسلمين والعرب خصوصًا في الغرب في أجواء من الخوف والقلق والتي تحول بينهم وبين التمتع بحقوقهم الأساسية أو ممارسة أدوار سياسية.

لم يكن الأمر يتعلق بتضخيم أحداث معينة أو تغطيتها إعلاميًا بشكل منحاز ومدروس فحسب، بل وبفبركة بعض من تلك القضايا واختلاقها أو دفع شخصيات من الجاليات العربية والمسلمة إما غير ناضجة وساذجة أو حتى مريضة لتوريطها في التخطيط لإعمال إرهابية بعد إقناعها وإغوائها أو تحريضها، ومن ثم تحميل العرب والمسلمين وزر تلك الأعمال وتبعاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 2 أسابيع | 2 قراءة)
.