حضرموت ... من مأدبة غداء إلى تدخل بريطاني !

حضرموت .

.

.

من مأدبة غداء إلى تدخل بريطاني ! 28 نيسان/أبريل 2024 الزيارات: 522 26 سبتمبر نت: .

علي الشراعي | لقد شكلت مؤامرات ولائم ومآدب الغداء أهم سمات الاغتيالات السياسية بالتاريخ اليمني الحديث والمعاصر وما تبعتها من احداث و نتائج مأساوية , بدأ بوليمة غداء شبام حضرموت 1860, ووليمة بيحان شبوة 1972م , واخيرا مأدبة غداء صنعاء 1977م .

فيما ولائم اليوم ليس للاغتيالات تقام بل لمن خان وباع الوطن ! .

انتفضت حضرموت ضد الظلم والاستبداد وأعلنت استقلال اليمن ولم تكتفي بذلك بل ضمت الحجاز ونجد للخريطة السياسية والجغرافية والتاريخية لليمن وذهبت إلى أبعد من ذلك ! .

- إحياء اليمن الكبرى في التاريخ الحديث وعقب الجلاء العثماني من اليمن عام 1636م , تمكنت صنعاء من مد نفوذها على كل أجزاء اليمن بما فيها حضرموت لتصبح اليمن دولة موحدة , بل إنها ارادت إحياء اليمن الكبرى بضم الحجاز كما حدث في التاريخ الإسلامي في عام 129 هجرية الموافق سنة 746م , .

وايضا التطلع لمد نفوذه صنعاء نحو الحبشة .

غير أن اليمن الموحد لم يستمر طويلا ولأسباب عديدة سياسية واجتماعية واقتصادية عصفت رياح التجزئة والانفصال ببناء الدولة الموحدة ووزعتها إلى كيانات صغيرة مستقلة واصبحت حضرموت منذ عام 1706م , كيانا مستقلا تحت حكم آل كثير , تلاها لحج وعدن عام 1728م تحت حكم العبادلة .

ومن ثم محاولات اطماع الدولة السعودية الأولى ( 1746- 1818م) في احتلال حضرموت وضمها لدولتهم ففي عهد السلطان الكثيري جعفر بن علي بن عمر , جاء الوهابيين عام 1806م , عن طريق العبر في حملة استطلاعية , وفي سنة 1809م جاء الوهابيون للمرة الثانية غزاة لحضرموت مع مرتزقة من يافع وبعض جماعات من اهل حضرموت .

ولا تزال تلك الاطماع تراودهم في منام احلامهم السياسية حتي اليوم وما عدوان 26 مارس 2015م , إلا استمرارا لتلك الاطماع القديمة .

-تاريخ صراع إن التاريخ السياسي لحضرموت عامة و لمدينة شبام خاصة خلال 1850- 1967م , هو تاريخ الصراع بين آل كثير والسلطنة القعيطية .

وإن هذا الصراع المخضب بالدم والمليء بالمؤامرات توجد دوافعه في الأهمية الخاصة لمدينة شبام جغرافيا وعسكريا واقتصاديا .

فمؤسس نواة الدولة القعيطية عمر بن عوض بن عبدالله القعيطي الذي تربي وتعلم في شبام ثم سافر إلى حيدر آباد ومن أموال تجارته وامتيازاته هناك اشترى منطقة ( الريضة) في القطن سنة 1839م , لتكون مركز الانطلاق لتأسيس دولته الجديدة وجعل مدينة شبام لأسباب عديدة هدف أول لخطته التوسعية .

في حين اشترى غالب بن محسن الكثيري قرية ( الغرف) سنة 1845م تمهيدا لإحياء الدولة الكثيرية .

أرسل القعيطي أبناءه إلى حضرموت لتنفيذ خطته في إنشاء الدولة الجديدة , وبعد استكمال بناء قواته وتحت مبرر دعم أبناء قبيلته اليافعية التي استنجدت به لدعمها في صراعاتها مع آل كثير زحفت قوات القعيطي نحو شبام وفرضت عليها حصارا شديدا وبسبب شدة الحصار وخوف الأمير الكثيري من تمرد سكان المدينة عليه نتيجة معاناتهم الاقتصادية وشبح الجوع بسبب الحصار دعا إلى إنهاء الحرب والتصالح مقابل تنازله عن نصف المدينة للقعيطي .

وافق ابناء عمر بن عوض العقعيطي على الصلح ودخلت قواتهم إلى المدينة لتفرض سيطرتها في عام 1859م , إن مناصفة مدينة شبام كان أمرا مؤقتا في نظر الطرفين المتحاربين فهو لا يعدو أن يكون هدنة مؤقتة كي يستعيد كل منهما أنفاسه ويعيد ترتيب قواته استعدادا لمعركة احتلال نصف الطرف الآخر للمدينة وتصفيه خصمه .

– فإذا كان دولة لا تقبل بحاكمين فكيف بمدينة ؟! .

فالسلطان الكثيري كان المتضرر الأكبر من صلح مناصفة شبام فقوات القعيطي لم تعد تحاصر شبام بل أضحت توجد داخل المدينة ذاتها , وحقيقة أن القعيطي في وضع أقوى إلا أن عليه في حالة بدء المعركة أن يواجه ليس فقط القوات الكثيرية بل أيضا عليه مواجهة جزء كبير من سكان المدينة الذين يدينون بالولاء للسلطان الكثيري .

-مؤامرة الولائم هذا الوضع العسكري المعقد الذي خلفته اتفاقية المناصفة جعلت الأسلوب التأمري هو الأسلوب المفضل لحسم الأمر لمصلحة أحد الطرفين , وبادر إلى ممارسة هذا الأسلوب الأمير الكثيري , حيث دبر خطة لاغتيال الأمير القعيطي عوض بن عمر وكبار مستشاريه وذلك بدعوتهم إلى مأدبة أقامها في قصره ووضع تحت البساط أكياس البارود ليتم فرقعتها لحظة جلوسهم , لكن خطته فشلت لعدم حضور القعيطي وقواده المأدبة بسبب أن خادمة عجوز في قصر السلطان الكثيري سمعت حديث المؤامرة وبلغت القعيطي بأمرها .

وفشل الأمير الكثيري في تنفيذ الخطة ولكنه وقع في شرك مؤامرة مماثلة لها , فقد أوعز الأمير القعيطي لاحد أتباعه بإقامة وليمة غداء دعى لحضورها الأمير الكثيري ولحظة دخول الكثيري إلى قاعة الوليمة هجم عليه الجنود وقتلوه .

وبهذا الأسلوب التآمري تمكن القعيطي من تحقيق كامل سيطرته على مدينة شبام في عام 1860م .

لقد كان من نتيجة عملية اغتيال الأمير الكثيري في وليمة ومأدبة الغداء أنها استفزت مشاعر قبائل آل كثير , كما أن احتلال مدينة شبام أشعرهم بخطر الدولة الجديدة على كيانهم ليبدوا بمحاولات مهاجمة مدينة شبام لاستعادتها .

لذلك وحدوا جهودهم وحشدوا قواتهم التي تحركت صوب المدينة وهاجمتها من الناحيتين الغربية والشمالية ولكنها لم تنجح في اقتحامها وهزمت في معركة غرب شبام التي سميت بمعركة ( الكرعان) نسبة إلى موقع المعركة .

ودفعت الأهمية الاستراتيجية لمدينة شبام قبائل آل الكثيري إلى مواصلة كفاحهم من أجل استرداد المدينة .

-نخل عشرين كانت مدينة شبام في نظر الأسرة القعيطية قاعدتهم العسكرية ومنطلق توسعاتهم , وهذا الأمر أدركته قبائل آل كثير ولذلك حاولوا استعادة مدينة شبام ففي أول أيام عيد الأضحى سنة 1877م , اقتحمت القوات الكثرية مدينة شبام مستغلة سفر عدد كبير من جنود القعيطي لقضاء إجازة العيد عند أسرهم غير أن أمد هذا الاقتحام لم يدم طويلا فقد سارعت القوات القعيطية بالوصول إلى المدينة وخاصة من القطن معقل السلطنة القعيطية الأول .

وبعد معارك عنيفة دارت رحاها في شوارع وأزقة المدينة تمكنت القوات القعيطية من استعادة سيطرتها على مدينة شبام وهرب من بقي حيا من جنود آل كثير .

وعلى مقربة من بوابة المدينة يوجد موقع يقال له ( نخل عشرين ) نسبة إلى العشرين جثة من جثث جنود آل كثير التي دفنت تحته .

هذا الموقع ما يزال يُذكر الأحفاد بما قاساه الأجداد من آلام ومآسي بسبب الصراع القعيطي - الكثيري .

ولقد انتهي مسلسل ذلك الصراع الدموي بالسيطرة الكاملة للقعيطي على مدينة شبام التي أضحت عاصمته في حضرموت الداخل والمكلا عاصمته الأولى .

ورُمز للمدن الثلاث ( شبام والمكلا والشحر ) بالقلاع الثلاث التي تتوسط علم الدولة القعيطية .

-تدخل بريطاني في سنة 1867م , توفي مؤسس الدولة القعيطية في حيدر آباد وحل محله ابنه الأمير عوض بن عمر القعيطي .

وفي عهده توسعت رقعة الدولة حيث احتل القعيطي الشحر عام 1868م , والديس عام 1873م , وقصيعر عام 1874م , وغيل باوزير عام 1878م ,.

كما تمكن القعيطي من فرض كامل سيطرته على مدينة المكلا وبمساعدة السلطات البريطانية , واجبر أمير المكلا السابق عمر بن صلاح الكسادي على مغادرة مدينته المكلا نهائيا عام 1877م .

لم تتوقف أطماع الأسرة القعيطية عند حدود شبام ومدن الساحل مثل الشحر والمكلا واتجهت أنظارهم صوب سيئون وتريم .

لقد دعمت السلطات البريطانية توسعات الأسرة القعيطية وذلك كجزء من خطتها الاستعمارية الهادفة إلى إعادة ترتيب الأوضاع السياسية في جنوب اليمن لتمكينها من تثبيت نفوذها في المنطقة .

فالدعم البريطاني للسلطة القعيطية كان ثمنه توقيع معاهدة الحماية عام 1888م , وفيما بعد معاهدة الاستشارة عام 1937م .

كما تم إجبار السلطنة الكثيرية على توقيع معاهدات مماثلة مع الحكومة البريطانية وذلك بعد تقليص رقعة دولتهم وفرض اعترافهم بهذا الواقع وكذا اعترافهم بالزعامة القعيطية على عموم حضرموت وذلك من خلال معاهدة عدن الموقعة بين السلطان القعيطي والسلطان الكثيري عام 1918م .

- انتفاضات وثورة بعد استكمال سياسة إعادة ترتيب المنطقة عملت السلطات الاستعمارية على قمع محاولة تهدف إلى إحداث أي تغيير في هذه الخارطة السياسية الجديدة لحضرموت .

كما قمعت الانتفاضات القبلية كافة وأجبرت قبائل حضرموت على الخضوع لسلطة الدولتين ( القعيطية و الكثيرية ) وبرغم وحشية القمع ظلت حضرموت تشهد تمرد هذه القبيلة أو تلك ولأسباب مختلفة .

ومن أبرز الأحداث التي أكدت رفض بريطانيا لأي محاولة تغيير في الخارطة السياسية الجديدة لها في حضرموت حركة ( ابن عبدات ) التي جرت أحداثها في أعوام 1928- 1945م .

فقد دعمت بريطانيا السلطات الكثيرية في عملياتها العسكرية ضد ابن عبدات رغم أن الطامع الجديد أعلن استعداده للاعتراف بالسيادة البريطانية على منطقته .

وساهمت الدولة القعيطية ايضا في عملية قمع حركة ابن عبدات حيث أرسلت قوة من الجيش النظامي , وقوة من الجيش غير النظامي بقيادة محمد حسن السعدي اليافعي .

وقد جعلت هذه القوات من شبام معسكرا لها ومركزا لانطلاقها نحو معقل ابن عبدات في مدينة الغرفة .

وفي 7 مارس 1945م , تم القضاء نهائيا على الحركة واستسلم قائدها ابن عبدات الذي رُحل إلى عدن ومنها إلى إندونيسيا .

وبذلك رسمت وثبتت الخريطة الاستعمارية البريطانية في حضرموت لتظل فيها ومحاوله سلخها عن اليمن الأم عام 1959م , لتحبط تلك المخططات ثورة 14 اكتوبر 1963م , وتنتهي مطامع بريطانيا في الجنوب اليمني بشكل عام وحضرموت بشكل خاص في عيد الاستقلال 30 نوفمبر 1967م .

تقييمات (1)

اليمن      |      المصدر: 26 سبتمبر    (منذ: 2 أسابيع | 2 قراءة)
.