مي سمير تكتب: ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع الاقتصاد المصري

جذب الاستثمارات الأجنبية ودعوة صناديق السيادة الدولية لكى تستثمر فى مصر هى سياسة عالمية وتطبّق فى الكثير من دول العالم.

واستثمار صناديق الثروة السيادية فى مصر ليس حكراً على مصر، واستثمارات الشركات الأجنبية فى الأصول والشركات بالدول الأخرى هى سياسة اقتصادية متعارف عليها فى كل دول العالم، بما فى ذلك الدول الغربية المتقدّمة.

يتوقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) أن يتباطأ النمو الاقتصادى العالمى إلى 2.

6% فى عام 2024، أى أعلى بقليل من عتبة 2.

5% المرتبطة عادة بالركود.

ويمثل هذا العام الثالث على التوالى الذى يقل فيه النمو عن معدل ما قبل الجائحة، والذى بلغ متوسطه 3.

2% بين عامى 2015 و2019.

وحسب المنتدى الاقتصادى العالمى، فى تقرير بعنوان (ماذا سيحدث للاقتصاد العالمى فى عام 2024؟)، لا تزال حالة عدم اليقين هى عنوان اللعبة بالنسبة للاقتصاد فى عام 2024.

ويرى بعض الاقتصاديين أن الاقتصاد العالمى لا يزال يبدو متزعزعاً، وقد يضعف أكثر خلال العام المقبل.

نجاح مصر فى جذب الاستثمارات العربية والدولية جزء من مشهد عالمى بقيمة 165 تريليون دولار أمريكى وأضاف تقرير المنتدى الاقتصادى العالمى أن هذه الغيوم من عدم اليقين بشأن التوقّعات الاقتصادية كانت موضوعاً متكرّراً خلال العام الماضى.

ومع استمرار تباطؤ النشاط الاقتصادى العالمى، واستمرار ضيق الأوضاع المالية وتزايد التوترات الجيوسياسية، من المرجّح أن يستمر الكثير من التقلبات هذا العام.

وفى السياق نفسه، قال صندوق النقد الدولى إن النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمى تتحسّن، ولكن بشكل طفيف للغاية.

كما حذّر من أن التعافى «المرن بشكل مدهش» من الجائحة والحرب الروسية فى أوكرانيا وأزمة غلاء المعيشة التى تلت ذلك قد تجعل العالم يتعرّض للخطر بسبب الهجمات على سفن الحاويات فى البحر الأحمر، مما قد يؤدى إلى خطر تشويش سلاسل التوريد والتسبّب فى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

وأضاف التقرير أن التضخّم لم يتم التغلّب عليه بعد.

كانت هذه المقدّمة ضرورية لوصف الوضع الاقتصادى العالمى، حيث يعانى الكثير من دول العالم من وضع اقتصادى صعب.

لا يمكن لأحد أن يُنكر أن هذه الأوضاع الاقتصادية تُهدّد الكثير من دول العالم، بما فى ذلك مصر.

ولكن يبدو أن مصر تجذب أنظار الصحافة العالمية بشكل خاص، وهذا أمر طبيعى، نظراً لمكانة مصر العالمية والإقليمية.

ولكن غير الطبيعى هو ازدواجية المعايير فى التعامل مع مصر، خاصة الملف الاقتصادى.

ويشهد تناول الإعلام الغربى للمشهد الاقتصادى المصرى تناقضاً يستحق لفت الانتباه.

خطوات مصرية قد تشتد وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية على مصر، خاصة أن مناطق الصراع المشتعلة ترتبط بشكل مباشر مع مصر، فقد أثر الصراع الروسى الأوكرانى على مصر بشكل مباشر، حيث تستورد 85٪ من حاجياتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، كما أثرت التوترات فى البحر الأحمر على حركة الملاحة الدولية، وانخفضت إيرادات قناة السويس بنحو ٥٠٪.

ورغم هذا المشهد العالمى الذى تُعد مصر جزءاً منه، يحرص الكثير من المواقع والصحف العالمية على التركيز على مصر، وكأنها الدولة الوحيدة التى تعانى من أزمة.

والمثير للدهشة أن الإجراءات التى تتّخذها مصر للخروج من أزمتها، هى الإجراءات نفسها التى تحدّثت عنها الصحافة العالمية، باعتبارها السبيل الوحيد لمواجهة التحدى الاقتصادى، وهى نفسها الإجراءات التى تتعرّض لانتقادات من الصحف العالمية نفسها.

سياق إعلامى يبدو أن الهدف منه هو الانتقاد من أجل الانتقاد.

قبل الصفقات الأخيرة التى عقدتها مصر، والتى أسفرت عن تدفّق الدولارات، مما أسهم فى حل أزمة صرف كادت تعصف بالأسواق وأعادت الاستقرار النسبى من جديد، كانت وسائل الإعلام الغربية تتحدّث عن أهمية تحرير سعر الصرف وجذب الاستثمارات الأجنبية كعوامل أساسية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية.

وتلت تلك الخطوات تصريحات تؤكد سعى مصر لإجراء مزيد من الإصلاحات الهيكلية والتنظيمية من أجل دفع الاقتصاد المصرى إلى الأمام.

لماذا يتم انتقاد الصفقات المصرية بينما تحظى الصفقات فى أوروبا والولايات المتحدة بالدعم والثناء؟ ويتساءل البعض فى ظل كل هذه الأزمات التى تعصف بالعالم بشكل عام وبمصر بشكل خاص، كيف استطاعت مصر الصمود والاستمرار فى مشروعها التنموى؟ وبدلاً من الثناء على قدرة الشعب المصرى على مواجهة الأزمة والعمل على تخطيها.

جذب الاستثمارات الأجنبية وتمكين القطاع الخاص أحد أهم الحلول التى طرحتها الصحف العالمية.

.

ومع تدفّقها على مصر بدأت الانتقادات الغربية حرص عدد من الصحف والمواقع على النيل من مصر، وكأن بقاءها صامدة فى مواجهة العاصفة يثير التحفّظ.

لم تضع الحكومة المصرية رأسها فى الرمال، والحديث عن الأزمة الاقتصادية ومناقشات الحلول وسُبل الخروج منها جزء من المشهد المصرى.

والخطوات الأخيرة التى تم اتخاذها تفتح الباب لمزيد من الإصلاحات والتنظيم.

.

هكذا أكدت التصريحات الحكومية فى أكثر من مناسبة.

ازدواجية المعايير الغربية أحد أهم الحلول التى طرحتها الصحف العالمية والتقارير البحثية هو جذب الاستثمارات الأجنبية لمصر وتمكين القطاع الخاص.

إحدى المحطات الاقتصادية الكبرى كتبت مؤخراً أن مصر خرجت من أسوأ أزمة عملة تمر بها منذ عقود، لتصبح أكثر الصفقات رواجاً فى الأسواق الناشئة.

وأضافت: «بدأ هذا التغيير السريع فى الحظوظ بصفقة تطوير سياحى بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات العربية المتحدة، وهو أكبر استثمار داخلى فى تاريخ مصر.

وقد أدى ذلك إلى ضخ الدولارات التى مهّدت الطريق لرفع قياسى فى أسعار الفائدة وقرض موسّع من صندوق النقد الدولى».

المحطة نفسها نشرت هذا الأسبوع تقريراً على موقعها أن مصر تبيع أصولها.

رسم الموقع جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية فى مصر فى سياق سلبى، حيث يضع هذا التقرير الأخير الكثير من علامات الاستفهام.

عندما كانت مصر تعانى من صعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية كانت تتعرّض للانتقاد، وعندما نجحت جهود الدولة فى جذب الاستثمارات تعرّضت أيضاً للانتقاد.

يؤكد هذا التسلسل فى تناول الأزمة الاقتصادية فى مصر أن الهدف منه ليس تناول المشهد الاقتصادى بموضوعية ونزاهة، وإنما فى المقابل يلقى بظلال من الشك على مهنية ونزاهة التناول.

ليس من المستغرب أن المحطة نفسها تعرّضت، على سبيل المثال، فى المملكة المتحدة، للتوبيخ الرسمى بسبب خرقها قواعد أوفكوم خلال الانتخابات الوطنية (العامة) البريطانية قبل الكثير من السنوات.

فقد وُجد أنها أظهرت تحيّزاً لحزب العمال، فى الفترة التى تسبق الانتخابات العامة.

سياسة عالمية جذب الاستثمارات الأجنبية ودعوة صناديق السيادة الدولية لكى تستثمر فى مصر هى سياسة عالمية وتطبّق فى الكثير من دول العالم.

واستثمار صناديق الثروة السيادية فى مصر ليس حكراً على مصر، واستثمارات الشركات الأجنبية فى الأصول والشركات بالدول الأخرى هى سياسة اقتصادية متعارف عليها فى كل دول العالم، بما فى ذلك الدول الغربية المتقدّمة.

لقد نما كل من عدد صناديق الثروة السيادية وقيمتها بشكل مطرد خلال العقود الماضية، فقد تم إنشاء ما مجموعه 73 صندوق ثروة سيادية جديداً فى جميع أنحاء العالم خلال الـ12 عاماً من 2010 إلى 2022.

وهذا العدد يزيد بـ23 صندوق ثروة عن العقد الذى سبقه، وهو عدد أكبر من إجمالى جميع صناديق الثروة السيادية الجديدة، التى تم تأسيسها خلال السنوات السابقة لعام 2000.

تُعد آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكبر المناطق عندما يتعلق الأمر بالأصول التى تديرها صناديق الثروة السيادية، حيث تدير دول مثل الصين والإمارات العربية المتحدة تريليونات الدولارات من أصول صناديق الثروة السيادية.

حسب التقارير الدولية، تبلغ قيمة المحفظة العالمية للأصول القابلة للاستثمار 165 تريليون دولار أمريكى، اعتباراً من النصف الأول من عام 2023.

ويستند هذا الرقم إلى تجميع أساسى لفئات الأصول المتاحة للمستثمرين المؤسسين.

وضمن هذه السوق العالمية، تمثل صناديق الثروة السيادية قوة بارزة، حيث يبلغ إجمالى أصولها أكثر من 10 تريليونات دولار أمريكى، أى إنها تُمثل 6% من الإجمالى.

ويتّضح هذا بشكل خاص فى الأسواق الخاصة، حيث نقدّر حصة صناديق الثروة السيادية بنحو 14%.

حسب المنتدى الاقتصادى العالمى، اعتباراً من فبراير 2023، بلغت الأصول المدارة لصناديق الثروة السيادية على مستوى العالم 11.

3 تريليون دولار، بزيادة أكثر من عشرة أضعاف خلال العقد الماضى.

ورغم الانخفاض فى تقييمات المحافظ الاستثمارية فى عام 2022، فقد استمر التوظيف القوى لرأس المال مع استثمار رقم قياسى بلغ 257.

5 مليار دولار أمريكى فى 743 صفقة، مع إتمام أعلى عدد من «الصفقات الضخمة»، التى تزيد قيمتها على مليار دولار أمريكى.

فى الواقع، تم تنفيذ خمسة من أكبر عشرة استثمارات من قِبل مستثمرين مملوكين للدولة فى التاريخ خلال عام 2022، كما أن خمسة من أكبر عشرة صناديق ثروة سيادية نشطة هذا العام من منطقة الخليج.

تاريخياً، كانت صناديق الثروة السيادية أدوات لاستثمار فوائض رأس المال المحلية فى الأسواق الدولية لتحقيق عوائد مالية قوية.

ولكن نتيجة تغيير الأولويات الحكومية فى أعقاب تباطؤ العولمة والجائحة العالمية والصراعات الجيوسياسية واضطرابات سلسلة التوريد، ركّزت الحكومات على إعادة تقييم نهجها الاجتماعى والاقتصادى وإعادة تحديد حجمها.

ومع تباين الأولويات الحكومية فى مختلف الأسواق، ظهرت أنواع متعدّدة من المستثمرين السياديين لخدمة أغراض محدّدة، مثل صناديق الاستقرار والادخار والاستثمار الاحتياطى.

شراء أمريكا وأوروبا تضم شبه الجزيرة العربية ما يقرب من 20 صندوق ثروة سيادية تدير نحو 3.

7 تريليون دولار -أى نحو ثلث أصول الصناديق الحكومية العالمية- ويتمثّل دورها تقليدياً فى استثمار فائض الإيرادات البترولية لضمان رفاهية الاقتصادات المحلية والأجيال القادمة.

فى تقرير لمنصة «جلوبال فاينانس»، يقول دييجو لوبيز، المدير الإدارى لصندوق الثروة السيادية العالمى: «إن المهمة الرئيسية اليوم هى التنويع، بعيداً عن النفط والغاز».

وتقوم هذه المنصة التى تتخذ من نيويورك مقراً لها بدراسة أكثر من 400 صندوق ثروة سيادية وصناديق تقاعد عامة فى جميع أنحاء العالم.

فى عام 2022، فى حين انخفضت قيمة صناديق الثروة السيادية العالمية وصناديق التقاعد العامة بنحو 1.

2 تريليون دولار، فإن حصص الصناديق العربية ازدادت بشكل كبير بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز.

ووفقاً لتصنيف معهد صناديق الثروة السيادية ومقره لاس فيجاس، فإن أكبر صندوق فى الشرق الأوسط حالياً هو جهاز أبوظبى للاستثمار (ADIA)، بإجمالى أصول يبلغ 790 مليار دولار، بزيادة نحو 100 مليار دولار على أساس سنوى، تليه الهيئة العامة للاستثمار الكويتية بقيمة 750 مليار دولار، بزيادة قدرها 12 مليار دولار على أساس سنوى.

وفى المركز السادس، جاء صندوق الاستثمارات العامة فى المملكة العربية السعودية من 230 مليار دولار فى عام 2018 إلى أكثر من 600 مليار دولار اليوم، ويخطّط للوصول إلى تريليون دولار بحلول عام 2025.

ويتم إنفاق جزء من رأس المال الإضافى هذا فى الخارج.

ووفقاً لتقرير صندوق الثروة السيادية العالمى، فقد ضاعفت الصناديق من الشرق الأوسط استثماراتها فى الغرب، بما فى ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، إلى 51.

6 مليار دولار فى عام 2022 من 21.

8 مليار دولار فى عام 2021.

ومن بين 60 صفقة ضخمة -مليار دولار أو أكثر- تم تسجيلها العام الماضى، تم تنفيذ 26 صفقة من قِبل صناديق الشرق الأوسط.

استحوذت الصناديق السيادية الدولية على أصول بقيمة 11.

3 تريليون دولار فى أوروبا وأمريكا والكثير من الدول بزيادة عشرة أضعاف خلال العقد الماضى من الصعب الحصول على أرقام دقيقة، لكن العمليات البارزة شملت عمليات جهاز أبوظبى للاستثمار العقارى من خلال مشروعات مشتركة مع الشركات العقارية Rockpoint وLandmark Properties فى الولايات المتحدة، وGreystar فى المملكة المتحدة، وLogos فى أستراليا.

أما على الجانب السعودى، فقد أصبح صندوق الاستثمارات العامة ثانى أكبر مساهم فى شركة أستون مارتن لصناعة السيارات الفاخرة، وتجرى محادثات للاستحواذ على 25% من مطار هيثرو فى لندن، أكثر مطارات أوروبا ازدحاماً.

كما ضاعفت مؤسسة مبادلة الإماراتية الصفقات فى قطاع الاتصالات الأوروبى، حيث استثمرت مليار دولار فى شركة سيتى فايبر البريطانية واستحوذت على حصة فى شركة الاتصالات الإسكندنافية جلوبال كونيكت.

وقد أبرزت مؤسسة Global SWF فى تقريرها السنوى لعام 2023، الصادر فى يناير: «يتّجه المستثمرون الشرق أوسطيون إلى الأمام فى ظل المنافسة المحدودة من نظرائهم الدوليين».

فى أكتوبر 2022، استحوذ جهاز قطر للاستثمار على حصة بقيمة 2.

4 مليار دولار فى شركة الطاقة الألمانية متعدّدة الجنسيات RWE، وهى واحدة من أكبر منتجى الكهرباء النظيفة فى العالم، ففى عام 2022 أيضاً، قاد جهاز قطر للاستثمار جولة تمويل بقيمة 250 مليون دولار أمريكى لشركة Innovafeed، وهى شركة فرنسية تعمل فى مجال التكنولوجيا الحيوية التى تطور تغذية الحيوانات والنباتات القائمة على الحشرات.

هذه نماذج بسيطة لحجم الصفقات التى تم عقدها لشراء الأصول والشركات فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

وقد يحتاج رصد كل الصفقات إلى نشر كتاب ضخم وليس مجرد سطور قليلة.

كل هذه الاستثمارات وشراء الشركات فى أوروبا والولايات المتحدة لا تختلف كثيراً عن الاستثمارات التى تشهدها مصر، ولكن فى الغرب تحظى الصفقات بالثناء والدعم، وفى مصر تتعرّض للانتقاد.

هذه الازدواجية فى المعايير تضع الكثير من الخطوط الحمراء تحت نزاهة ومهنية الكثير من وسائل الإعلام العالمية.

 

مصر      |      المصدر: الوطن نيوز    (منذ: 2 أسابيع | 2 قراءة)
.