الروائي الكبير محمد جبريل يكتب: سياسة الغرب.. وتعدد المكاييل

إعـــلانفي المؤتمر الصحفي الذي جمعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوجان، قال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينمار إن الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة ما كانت تحدث لو لم تتحرك المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي.

نسي الرئيس الألماني، أو تناسى، حقيقة أنه ما كانت أحداث أكتوبر قد جرت إن لم يسبقها حصار الجيش الإسرائيلي لغزة، عبر سبعة عشر عامًا، حرم خلالها أبناء القطاع من أبسط حقوق البشر.

لعلك تذكر تحذيرات فصائل المقاومة من المعاملة اللاإنسانية التي عاناها الشعب الفلسطيني على أيدي الحكومة الإسرائيلية، ممثلة في قواتها المسلحة، وشرطتها، ومئات الألوف من المستوطنين الذين تكرر اقتحامهم المسجد الأقصى، وإحراق الأحياء والقرى ليس في غزة وحدها، وإنما في الضفة الغربية، وفي مدن وقرى ما يسمى بالخط الأخضر.

حذرت فصائل المقاومة من ردورد الأفعال التي قد تنشأ نتيجة العنف غير المبرر الذي تمارسه إسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، بل إن مجلس الأمن دعى – مرات كثيرة – لمناقشة تفاقم الأوضاع القاسية التى اختلقتها الحكومة الإسرائيلية ضد الحياة الآمنة والمستقرة للملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، ثم فشلت في الخروج بتوصيات، أو قرارات، تلامس مشاعر إسرائيل!.

يبدّل المصريون معنى كلمة ” بوليتيك” اللاتيني إلى” بوليتيكا”، بمعنى الفهلوة.

وهو المعنى الذي ينطبق على مغالطات ساسة الغرب، وحرصهم على تعتيم جوانب من الصورة، بحيث يصعب التعرف إلى المشهد كاملًا! من بوليتيكا ساسة الغرب، نقلًا عن الساسة الإسرائيليين، أنهم يتغافلون جذور الصراع العربي الإسرائيلي، نصرة من الوطن العربي لأحد أهم أقطاره.

تتحرك الأكاذيب والدعاوى الأسطورية والإملاءات، فيطرد شعب خارج حدود بلاده لتحل – بدلًا منه – جماعات، يتباهى قادتها بأصولهم في دول أخرى، وحتى الآن فإن الجنسية المزدوجة هى القاسم المشترك لمستوطني فلسطين المحتلة.

يبدو المنطق مغلوطًا، أو يغيب، في ادعاء الإسرائيليين أنهم ” أصح أمم الشرق نسبًا”، وتباهيهم – في الوقت نفسه – بانتمائهم إلى المدنية الأوروبية: جئنا شعبًا بلا أرض، إلى أرض بلا شعب، حتى نرفع عنها التخلف، وننشر العلم والتقدم.

ولأن شعب فلسطين حقيقة على أرضه منذ مئات السنين، فإن مؤامرات تهجيره، بل إفنائه، تعود إلى ما قبل قرار التقسيم المتعسف في 1947، ثم في المساندة الفعلية من الدول الكبرى، عقب إعلان قيام الدولة العبرية، وما تلاه من خطوات، أبرزها تشارك القوات الإنجليزية الفرنسية الإسرائيلية في عدوان 1956 الذى احتلت فيه غزة وسيناء، ثم المشاركة الأمريكية من خلال قطع أسطولها البحري، في حرب 1967، ثم التدخل الأمريكي عقب الانتصار العربي في 1973.

تعددت الجولات المكوكية لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، تحت شعار عدم السماح للسلاح الروسي أن يتغلب على السلاح الأمريكي، في حين أن الهدف الحقيقي عدم تمكين الوطن العربي من جني ثمار انتصاره.

أستعيد قول مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، ردًا على سؤال: لماذا حكومة واشنطن – في علاقاتها الدولية – تكيل بمكيالين؟ قالت أولبرايت: نحن لا نكيل بمكيالين، وإنما بعشرة مكاييل.

تعدد المكاييل يبين عن نفسه في النظرة الأمركية، ونظرة الغرب بعامة، إلى ممارسات الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، أعني كل الأرض الفلسطينية سواء ما يشكل مدنًا إسرائيلية، أو ما يسمى أرض الخط الأخضر، أو الضفة الغربية، أو قطاع غزة.

المذابح الإسرائيلية – كما أشرت قبلًا – كانت، وما تزال، حدثًا يوميًا في الأرض الفلسطينية.

المشهد الثابت الذي يطالع مشاهدي القنوات الفضائية: البيوت المدمرة ( يقوض المواطن الفلسطيني بيته بنفسه، أو ينسفه الجيش الإسرائيلي على نفقة صاحبه!) وجنازات الشهداء بأيدي الجنود أو المستوطنين الإسرائيليين.

حدثتك عن فيلم تسجيلي، أعده مثقف سعودي، تلقيته من الصديق الدكتور مجدي يوسف عن الأعمال الوحشية لمستوطني الأرض المحتلة، جنودًا ومواطنين في الدولة العبرية، حرضتهم على الفعل الإجرامي دعوة وزير الأمن – لاحظ التسمية – بن غافير إلى حمل السلاح، وأرفق دعوته بالتوزيع العلني لعشرات الألوف من المستوطنين.

مشاهد يعود تاريخها إلى ما قبل السابع من أكتوبر، يصعب تمعنها، فضلاً عن تصديقها، عمليات جماعية وفردية غير مبررة، ضد كل ماهو حي وقائم في الأرض التي أتيح للفلسطينيين العيش فيها.

حصار واعتقالات ومصادرة وتهجير وقتل وإحراق وتدمير.

مات عشرات الألوف من المواطنين الآمنين، وأصيبوا، تحت أنقاض البنايات المتهدمة.

وكما قال مسئول الإعلام الحكومي في القطاع، فقد أبيدت في المذابح عمليات بأكملها، محيت من السجل المدني! الصواريخ والقنابل الهائلة ونسف الأبراج السكنية والمساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس ومركز الإيواء.

.

ذلك كله يعكس الهدف الذي مثل هجوم السابع من أكتوبر نقطة الانطلاق لتحقيقه، وهو هدف كانت إسرائيل تعد له، باستعادة قصة الذب والحمل الذي تعددت حججه ليلتهم الحمل! تغيظني عبارة” حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

ما طبيعة ذلك الحق؟ ما بواعثه؟ كيف يحول المغتصب ما استولى عليه إلى حق يحارب للدفاع عنه؟.

بورخيس يأخذ على الدولة الصهيونية أنها قد تجعل اليهودى إنساناً مبتذلًا، مقيدًا كالآخرين بتراث واحد، وببلد واحد فقط، وبدون التعقيدات والاختلافات التى تخصب اليهود فى تباين وطنهم.

وجهة نظر تشفق على اليهود – كما ترى – ولا تدينهم.

أهمل الاستيطان، والإرهاب، واحتلال أرض الغير بالقوة المسلحة، وقتل الأبرياء، ومعاملة الفلسطينيين عمومًا باعتبارهم الأدنى بالنسبة لليهودـ وهو ما يلغي ادعاء بن جوريون إن إسرائيل هي مجتمع العاملين الذين يكدحون بأيديهم وعقولهم دون استغلال أو طبقية.

أهمل بورخيس ذلك كله، واكتفى بإظهار الإشفاق على اليهود.

لعلى أذكرك – فى المقابل-ـ بالمقالة القنبلة التي أدان جارثيا ماركيث فيها العنصرية الصهيونية، وطالب بجائزة نوبل فى القتل لرئيس الوزراء الأسبق شارون !قد يعجبك أيضاً هاشتاج:

مصر      |      المصدر: المساء    (منذ: 2 أسابيع | 2 قراءة)
.