سطر في حب الأبنودي.. بين ميلاده ورحيله

سطر في حب الأبنودي.. بين ميلاده ورحيله

لم يكن موت شاعر، لكن كان انقطاع وحي حدث الناس بألسنتهم، سكن أفئدتهم ونطق ما جال في صدورهم، كان روحا أينما حلت في جسد كانت صاحبه، لم أجد وصفا له أبلغ مما قاله عن نفسه "أنا الدرويش"أنا الدرويش.

.

أنا السابح بمسبحتي.

.

ومبخرتي.

.

وتوبي الخيش.

.

أغنيلك.

.

وأموّلك مواويلك.

.

ماتسمعنيش.

.

ولا تشوفينيشإن عظمة الأبنودي لم تكن في تشكيل الحرف وزخرفته ولا في استخراجه من المعاجم ولكن في بساطته، في عرضه طازجا بجمعه من على شجره في أوان طرحه، في أخذه كما هو من أفواه أصحابه.

.

عظمة الأبنودي في أنه ترك القلم والسطر لأبطاله يملوا عليه ما يكتبه فإذا ما زار عمته يامنة كان مستمعا قبل أن يكون كاتبا فخرجت القصيدة ملحمة حياة.

والله وشبت يا عبد الرُّحمان.

.

عجّزت يا واد ؟مُسْرَعْ؟ميتى وكيف؟عاد اللى يعجّز فى بلادهغير اللى يعجز ضيف !!هلكوك النسوان؟شفتك مرة فى التلفزيونومرة.

.

ورونى صورتك فى الجورنانقلت: كبر عبد الرحمان!!أمال انا على كده مت بقى لى ميت حول!!والله خايفة يا وليدى القعدة لتطوللم تقف براعة الأبنودي عند حدود خلق بطل واحد للقصيدة بل تمكن حتى بات يوزع الحرف على من حوله كمن يوزع رغيف خبز على الجوع، فيطعم أرواحهم ويخلق أبطالا للواقع من العدم وطاوعه الحرف فصنع منه حوارا، إيمانا به فإذا ما التقمه جراحي القط عامل السد كتب لزوجته:يا أم أولادي يا إنسانة الناسلا العلم مليحالعلم لا عيون تنعس في الليلضحكة منالقلب صحيحعدم المعرفة بيخلي الرجالة عياليضحكوا يبكواو دايما للدنيا طعم جديديسكت الأبنودي جراحي.

.

يحوله بسلاسة من راسل إلى المرسل إليه.

.

يكتفي أن يكون ساعي بريد آمين لا يخطئ العنوان ولا يضيع حرفا وإن طالت المسافات فإذا ما وصلت الرسالة لفاطمة أعطاها القلم والمدواة والسطر لتكتب ما يجول بها صدرها دون أن يمارس سطوة أو يتفاخر بمعرفة أو يحبسها في إطار المفروض والمفروض فتقرأ الكلمات بشعور اشتياق الزوجة لزوجها:شهرين يا بخيل؟ستين شمس وستين ليل؟النبى يا حراجى ما أطول قلبكلاقطع بسنانى الحته القاسية فيهلم يكن الأبنودي شخصا واحدا لننعيه بل كان أشخاصا منهم من مات ومنهم مازال على قيد الحياة، كان روحا هائمة تسكن الجماد فينطق وتسكن النبات فيزهر وتسكن الإنسان فيئن ويفرح ويصرخ.

.

كان عبد الرحمن.

.

عبادا لله على الأرض:انا عبد الله مش عبد الرحمنزى ما الشيخ اوصانىفينك يا عبد الرحمن.

.

يا عبد الله.

.

يا احلا من يغنى الفراق.

.

تيجى تغنى زحمة الشهداء.

.

والدم فى فلسطين.

.

وعلى توب العراق.

لم يمت الأبنودي لكنه يولد كل يوم في قرى مصر.

.

يغسل وجهه بماء النيل ويجفف عرقه بثراها.

يحترق من شمسها.

.

يكره ليلها ويبكي إذا ما عدى النهار.

.

يعيش في "الزحمة" يبذر عافيته بين "الأرض والعيال".

.

يشكو من "أحضان الحبايب".

.

يقف في "قنا" ويصل صوته إلى أرض الأنبياء "صباح الخير يا سينا".

.

يطوف بحرفه على البيوت يروي "قصص الحب الجميلة" ويقول بما تبقى فيه من عزم "يا بلادنا لا تنامي".

كانت وصية الأبنودي في آخر قصائده أن يشيع جثمانه كما عاش حرفه.

.

أن يتركوه للناس الذين كان منهم وعاش بينهم وكتب عنهم.

.

أن يحملوه كما حمل أحلامهم.

.

أن يحكوا عنه كما حكى لهم.

.

أن يرددوا قصائده في التأبين وينثروا له في مشواره الأخير الحروف محبة.

.

ولا اطلع من عمر مكرمولا أتلف بالأعلامحاموت في قريةعريانة من الإعلاممواطن زى جيرانىوحامشيها على كتافهمفدول أطيب ودول أكرموروح الحب في قلوبهملا مهرجانات ولا أفلام.

تراب أقدامهم العاليةنشيد إنسانى ومشاعروفيهم ناس تشيعنى عشان طيبوناس بتحبنى شاعرولا طلعوا بقطط فاطسةولا جرحوا في يوم صدقىولا وصفونى بالأظلم.

.

.

ودول مش أهل بقرابةودول ناس يزرعوا خيرهمسوا ليهم.

.

سوا لغيرهموضحكتهم شديدة الصدقودمعتهم أصيلة الحزن.

مصر      |      المصدر: البوابة نيوز    (منذ: 2 أسابيع | 4 قراءة)
.