الزهراوي يربط الاندماج بين المغرب وموريتانيا بـ"نظام فيدرالي مشترك"

اعتبر محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن اغتيال حارس أمن الرئيس الموريتاني بتندوف بمثابة رسالة غير مشفرة إلى الرئيس محمد الشيخ ولد الغزواني، ولا تخرج عن إطار التهديد المباشر من أجل توافق السياسات الموريتانية الجزائرية على حساب المغرب، مشيرا الى أن “وفاة الحارس الشخصي تبقى قابلة لكل التأويلات باستثناء أنها حادث عرضي عادي”.

وشدد الأستاذ الجامعي، في مقال توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية بعنوان “هل يمكن تأسيس نظام فيدرالي بين المغرب وموريتانيا؟ في الحاجة إلى المصالحة مع الجغرافيا”، على “أهمية الاندماج الاستراتيجي بين المغرب وموريتانيا عبر فيدرالية المغرب الكبير”، لافتا إلى أنها “ستحقق كل شروط الإقلاع الاقتصادي بين البلدين، ويمكن الاستثمار في شبكات الطرق والقطارات السريعة، ونقل رؤوس الأموال والرساميل الكبرى للاستثمار في الموانئ وفتح الباب أمام الشركات المغربية والحلفاء الخليجيين في موريتانيا من منطلق رابح/رابح”.

نص المقال: أثار تعرض موكب الرئيس الموريتاني لحادث سير (وفق الرواية الرسمية) لتساؤلات عديدة وقراءات بدت مشككة وغير مطمئنة في ظل وجود إشارات سلبية، لا سيما بعد أن أودت هذه الحادثة (المزعومة) بحياة أحد المسؤولين عن أمن رئيس الدولة.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وتعود أطوار هذه الحادثة إلى يوم الخميس 22 فبراير خلال هذه السنة، أثناء عودة موكب الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني من المعبر الحدودي بين موريتانيا والجزائر باتجاه مدينة تندوف، إذ كان الغرض من هذه الزيارة هو تدشين المعبر -الذي يصعب حرص المرات التي دشن فيها- بين البلدين.

وحتى لو صدق البعض الراوية الرسمية وما يطبعها من ثقوب وثغرات، قد يكون من مكر الصدف أن يتصادف هذا الحدث/ الحادث مع توالي التحذيرات في الآونة الأخيرة التي أصدرتها أمريكا وإسبانيا وبريطانيا بعدم السفر إلى تندوف بسبب المخاطر الأمنية الكبرى.

وبعيدا عن هذا الغرب “المتحامل “، وفي محاولة لشرح أسباب ومسببات هذا الحادث الذي أودى بالحارس الشخصي لرئيس جمهورية، أفادت الرواية الرسمية بأن الأمر يتعلق بانفجار أحد إطارات سيارة من السيارات المرافقة لموكب رئيس موريتانيا.

هذا التبرير أو “المشهد السريالي” إن جاز توصيفه قد لا يسعف ولا يساعد على الفهم؛ غير أنه، من سخرية القدر، يبدو أن “إطار” سيارة حارس الرئيس تشبه إلى حد كبير “إطار الجسم المغاربي”، كلاهما قابلان للانفجار في غفلة من الجميع، وقد لا تفيد آنذاك لا الروايات ولا الرواة الرسميين وغير الرسميين.

وبلغة أقرب إلى المنطق أو شيئا من العقل، إن ما وقع لحارس مرافق لرئيس موريتانيا قد لا يخرج عن إحدى الفرضيتين الاثنتين: الأولى أن الحادث عرضي، يمكن أن يقع في أي مكان في العالم؛ غير أنه من الصعب أن يصدق الفرد في القرن الحادي والعشرين وفي إطار التطور التكنولوجي مدى إمكانية واحتمالية أن تنفجر إطارات السيارات الرئاسية أثناء الاستقبالات الرسمية.

أما الفرضية الثانية، فعلى الأرجح أن الحادثة هي بمثابة رسالة غير مشفرة إلى رئيس موريتانيا، لا تخرج عن إطار التهديد المباشر.

ووفق هذه الفرضية، تصير وفاة الحارس الشخصي قابلة لكل التأويلات باستثناء أنها حادث عرضي عادي.

وبغض النظر عن السرديات المختلفة التي حاول كل طرف من خلالها إعادة قراءة هذا الحادث، إلا أن الأحداث المتتالية والاشتباكات الدبلوماسية على الرقعة المغاربية تؤشر على أن هذه المنطقة مقبلة على تحولات وتحديات كبيرة.

وارتباطا بهذه المتغيرات، ومن منطلق الروابط التاريخية والقبلية والدينية والجيوسياسية، فالمغرب يتحمل كامل المسؤولية تجاه جاره الجنوبي، سواء من خلال التصدي لكافة المحاولات الرامية إلى زعزعة استقرار موريتانيا، أو بغية إفشال المشاريع الرامية إلى إضعافها وجعلها بمثابة ثقب أسود في خاصرة المغرب الكبير.

فمنذ إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة يوم 25 غشت 2021، أخذ ” الاشتباك الدبلوماسي” بين الطرفين أشكالا غير مسبوقة، وبدا الصراع منفلتا وبدون سقف؛ بل وصل الأمر إلى حدود وقواعد “الاشتباك” التي باتت بدورها مفتوحة، إذ صارت “قيادة الجيش” في الجزائر تراهن على عزل المغرب عن محيطه المغاربي من خلال محاولة استمالة كل من تونس وموريتانيا بشتى الوسائل، وصارت تبعا لذلك كل الطرق مباحة ومستباحة، بل بدت المملكة “أسيرة” للقدر الجغرافي، تجاريه تارة وتراهن على الزمن تارة عديدة.

إن مسؤولية المغرب في حماية وصيانة حدوده تتجاوز المنطق الكلاسيكي/الدولتي/الحدودي، لا سيما أن المخاطر الإقليمية والأمنية الكبرى تأتي عادة من خارج الحدود، وبالتحديد من الجوار خاصة إذا كان هذا الجوار مضطربا ومشتعلا، ناهيك عن اتساع دائرة الدول الفاشلة بشكل مقلق.

وكما يقال، فالتاريخ عبارة عن جغرافيا متحركة، والجغرافيا تاريخ ساكن.

ومن هذا المنطلق، فالمغرب اليوم مطالب بالبحث عن خيارات جديدة قد تصل إلى محاولة “تحريك الجغرافيا” لتأمين محيطه وحماية أمنه وأمن شركائه الإقليميين والدوليين؛ وذلك من خلال التفكير في مداخل وتصورات سياسية وتكتيكية لاعتماد شكل جديد للاندماج المغاربي بدل الأشكال الكلاسيكية، خاصة في ظل الرهانات الاستراتيجية المفتوحة، كالمشروع الأطلسي الإفريقي المغربي، ومشروع الغاز بين المغرب ونيجيريا.

إشكالات وملفات عديدة وتحديات مختلفة أمام المقرر المغربي، وقد يكون من الصعب إن لم يكن متاحا ضبط إيقاع بعض المشاكل في المستقبل، إذا لم يتم التعاطي معها اليوم بكل جرأة ومسؤولية، وبأدوات ومشاريع تأخذ بعين الاعتبار المجال الجغرافي/التاريخي.

إن تقديم أجوبة عن الإشكالات المتعلقة “بالجوار الملتهب”، وخاصة العلاقة بالجار الجنوبي المهادن في ظل تمادي الجار الشرق في ممارساته العدائية، يتطلب وضع سيناريوهات جديدة، يأتي في مقدمتها إعادة “تحريك الجغرافيا”؛ وذلك من خلال التفكير في تأسيس نظام فيدرالي مغربي/ موريتاني.

سيناريو يمكن التعاطي معه من خلال محاولة تقديم أجوبة عن الأسئلة التالية: ما هي شروط ومحددات هذا الاندماج؟ ما هو موقف مؤسسة الجيش في موريتانيا؟ وما هي مواقف الأحزاب السياسية الموريتانية؟ كيف يمكن التعامل مع المتغيرات الاجتماعية والإثنية أو العرقية في موريتانيا؟ ما هي مكاسب ومحاذير هذا الاندماج بالنسبة للمغرب وموريتانيا؟ ما هي حدود الاشتباك الدبلوماسي الجزائري لإفشال الاندماج؟ قد لا تسعف هذه الورقة في تقديم أجوبة أولية عن هذه الأسئلة بمختلف أصنافها، الراهنة/المستقبلية/المؤسساتية/الهوياتية.

لكن، بعيدا عن مستويات التشبيك بين الإشكالات والمصالح المعقدة، يبدو أنه من المفيد على المستوى الاستشرافي إعادة طرح سيناريو فيدرالية المغرب الكبير ضمن سياقاته وإن كانت محرجا للبعض وغير ذات أهمية للبعض الآخر.

الجغرافيا تصنع الأدوار، وعلى النقيض من ذلك، فالموقع تاريخيا جلب للمغرب الأطماع والنزاعات حتى صار على ما هو عليه اليوم.

إقرار يعكس واقع الحال، فالحدود الحالية للمغرب لا تعكس هويته التاريخية الحقيقية، بقدر ما أنها فرضت عليه وفق سياقات متداخلة تتوزع بين الأخطاء الداخلية، والمؤامرات اللستعمارية الخارجية، حيث بعد الاستقلال صارت مشاكل الحدود والتوترات الإقليمية جزءا من الأدوات الغربية لإضعاف النواة الإمبراطورية للمغرب.

وفي أفق المصالحة مع الجغرافيا، فإن مقاربة الاندماج المغربي/ الموريتاني وفق النظام الفيدرالي، يمكن التفكير فيه انطلاقا من ثلاثة مستويات: المستوى الأول: تاريخي، إذ يعتبر المعطى التاريخي مؤسسا لفهم الحاضر على مستوى العلاقة بين الطرفين، وبعيدا عن النقاش حول الإرث الإمبراطوري والامتداد التاريخي للمملكة المغربية، فمنذ سبعينيات القرن الماضي، ظلت الجزائر ومن ورائها البوليساريو يتعاملان مع موريتانيا كحلقة أضعف على “رقعة شطرنج” بفعل التنافس والصراع الإقليميين.

وكمحاولة لفهم الجغرافيا السياسية للمنطقة، لابد من استدعاء التاريخ-القريب- فبعد أن رفضت الجزائر الاتفاق الثلاثي (اتفاقية مدريد) الذي وقع في 14 نونبر 1975، بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، دخلت المملكة في تحالف تكتيكي مع موريتانيا، عسكريا، وسياسيا، ودبلوماسيا لتحصين مكاسب الاتفاق.

أمام هذا الوضع، ركزت الجزائر رفقة البوليساريو هاجمتها العسكرية على موريتانيا، وتمكنت من الوصول إلى مشارف العاصمة نواكشوط ومهاجمة مختلف المدن الموريتانية.

ونتيجة لهذه الحرب دخل نظام المختار ولد داداه في أزمة على مختلف المستويات، الأمنية والاقتصادية، دفعت الجيش الموريتاني إلى الإطاحة به في 10 يوليوز 1978 تم وضعه رهن الإقامة الجبرية.

هذا المعطى يمكن من خلاله فهم الاستراتيجية التي تتعاطى بها قيادة الجيش الجزائري مع موريتانيا، إذ صارت الجارة الجنوبية بمثابة جبهة مشتعلة أو منصة مفتوحة لتوجيه الضربات إلى المغرب.

المستوى الثاني: جيوسياسي، إن المتغيرات الإقليمية والدولية باتت تنذر ببروز قوى جديدة وتوازنات من غير المستبعد أن تكون مختلفة عن التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن منطلق سعي المغرب إلى لعب أدوار كبيرة والتموضع بشكل جيد ضمن خريطة التحالفات الجديدة، فإن تحقيق مبتغى القوة الإقليمية يتطلب تنزيل المشاريع الكبرى، خاصة مشروع الأطلسي، وتأمين أنبوب الغاز المغربي النيجيري.

لذلك، فالاندماج المغربي الموريتاني، يشكل قاعدة صلبة لتأمين مصالح المغرب الأطلسية والإفريقية، وقطع الطريق على كل المحاولات الجزائرية الرامية إلى عزله عن محيطه المغاربي.

المستوى الثالث: استراتيجي، فالاندماج المغربي/الموريتاني يشكل مناسبة لتقديم أجوبة واقعية واستشرافية على بعض التحديات الراهنة والمستقبلية، لا سيما أن الامتداد التاريخي للبلدين، بالإضافة إلى المقومات المشتركة خاصة على المستوى القبلي (مجتمع البيضان)، كلها عوامل تدفع في اتجاه تقوية وتحقيق هذا الاندماج.

استراتيجيا، فالاندماج أو “فيدرالية المغرب الكبير” يمكن أن تحقق كل شروط الإقلاع الاقتصادي بين البلدين، قد لا يتسع المجال للخوض في الأرقام والمؤشرات؛ غير أنه بشكل عام يمكن الاستثمار في شبكات الطرق والقطارات السريعة، ونقل رؤوس الأموال والرساميل الكبرى للاستثمار في الموانئ وفتح الباب أمام الشركات المغربية والحلفاء الخليجيين في موريتانيا من منطلق رابح/رابح.

على المستوى العسكري، فالاندماج يحقق استراتيجيا مكاسب كبيرة دفاعية وأمنية، سواء من خلال تأمين الحدود البحرية والبرية على كافة الواجهات مع ضمان طي ملف النزاع حول الوحدة الترابية ميدانيا وعمليا وفعليا.

ختاما، يعتبر خيار “فيدرالية المغرب الكبير” خيارا قد يبدو غير واقعي في الوقت الراهن؛ لكن رهان “تحريك الجغرافيا” أو “المصالحة مع الجغرافيا” وتحت أية مسميات تعتبر مداخل استراتيجية ـ وإن كانت مقترنة بالمتاعب والصعوبات والمحاذير ـ، وبقدر ما أن البلدان كانت محكومة بحسن الجوار والتعايش السلمي، وتصفير المشاكل بين دول الجوار، إلا أن ذلك لم يتحقق، بل بات صعبا إن لم يكن مستحيلا في ظل النماذج المتعددة، وبفعل رواسب الاستعمار وضعف الديمقراطية الداخلية وفشل السياسات التنموية.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 4 أسابيع | 6 قراءة)
.