الصغير: التطورات بقطاع غزة مصيرية

قال المفكر المغربي عبد المجيد الصغير إن القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة الفلسطيني والتطورات المتتابعة منذ 7 أكتوبر من السنة الماضية، “أحداث مصيرية”، “ستحدد مستقبل شعوبنا في عشرات السنين القادمة”، واليوم “تسائلنا فلسطين وغزة تحديدا، ودورَنا ودولنا وأحزابنا والفئة المثقفة ومفكرينا قبل غيرهم، فللكلمة دورها في الحراك الاجتماعي والوعي وتوقع المآلات”.

الأكاديمي المتخصص في الفلسفة وتاريخ الفكر الإسلامي انتقد بشدّة، في محاضرة استقبلها مقر مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين بالرباط، ليلَ الأربعاء، مفكرينَ بالمنطقة دعوا إلى “اتخاذ المصلحة في ممارساتنا وتدبيرنا (…) دون سند من المبادئ”، وهو ما عبّر عن خشيته من أن يكون “تقديسا لعقل القوة واستبداد الدولة والجمهور”، كما انتقد سياسيين “يرفضون وصل السياسة بالقيم”.

وتابع: “ما يميّز الفعل الإنساني عن الحيواني هو الممارسة الفكرية، ولا قيام لها إلا بمسافة رجل الفكر الذي تقيه التبعية”، و”أمام غطرسة صهيونية، وعبثية النظام الدولي، والخذلان العربي المتواصل”، لجأ الأكاديمي إلى “سفر التكوين”، أول أجزاء التوراة، بحثا عن مصادر التبريرات الإيديولوجية الإسرائيلية لتقتيل الفلسطينيين وسرقة أراضيهم.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} ثم قال: “تحتل في سفر التكوين شخصية إبراهيم عليه السلام المساحة الكبرى، وتكرس مجموعة من قيم الكيان الإسرائيلي اليوم، وهذه القيم التوراتية تكوينية، ومفتاح لفهم طبيعة هذا الكيان في مواقفه الاقتصادية والعسكرية والمفاهيم التي يروج لها مثل الاتفاق الابراهيمي”.

واستحضر الصغير تفسيرات الباحث إسرائيل شاحاك، الذي انطلق من التلموذ لبيان “جدلية التكوين الفكري اليهودي ومواقف الكيان الإسرائيلي”، بسبب “خطاب إيديولوجي واضح” و”قيم استيلاء على أراضي الغير وطردهم بعد حِيَل شراء أراض وآبار مياه، والحرص على توثيق الاتفاقات الإبراهيمية في سفر التكوين.

في الصيغة المنتحلة للنبي إبراهيم، “نجد تناقضا في دور وسلوك وقيم النبي إبراهيم بين القرآن، وإبراهيم التوراة الذي تقدمه حريصا على توثيق حطام الدنيا، وطلب المزيد من الثروة، وبسط السيطرة على أملاك الغير، وخاصة المياه والآبار، وهي صورة قبيحة، وتزوير للتاريخ وتبرير لسحق الفلسطينيين الكنعانيين وطردهم من أرضهم منذ ذلك الزمن”.

ومن بين ما استشهد به عبد المجيد الصغير “كتاب علمي أنثروبولوجي للصحافي رضا هلال” بعنوان “المسيح اليهودي ونهاية العالم: المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا”، وما كتبه كريستوبال كولومبوس عند خروجه سنةَ سقوط غرناطة نحو الغرب “لاحتلال القدس وتحرير قبر المسيح، كما كتب في مذكراته الخاصة”، ثم تحدث عن طرد السكان الأصليين لأمريكا وقتلهم بوصفهم “كنعانيين وجب سحقهم مثلما أظهرت نصوص التوراة”.

ومع الحديث عن “مدى مسؤولية أمريكا عن كل جرائم إسرائيل، وصحة حديث المهدي المنجرة عن التطرف الديني الأمريكي الذي لا مثيل له في العالم”، ذكر الصغير أن “أسطورة نهاية العالم عند المسيحية المتطرفة تلقفها الفكر العلماني الليبرالي، وتبنى منطقها في استراتيجيته العالمية، وهي البعد الإيديولوجي لفوكوياما عندما يتحدث عن نهاية التاريخ والإنسان الأخير، والحرب الحضارية لدى هنتغتون تعبير ليبرالي عصري عن حرب العقيدة الألفية هرمجدون؛ حرب نهاية العالم في تصور المسيحية المتطرفة”.

من هنا، شدد المفكر المغربي على “خطورة امتلاك أمريكا أسلحة الدمار الشامل، فقد كان الرئيس ريغان يتمنى أن يكرمه الله بضغط زر إطلاق حرب عودة المسيح (…) واليمين المسيحي الكاسح في الولايات المتحدة مؤهل إيديولوجيا لتسخير كل الأسلحة لتحقيق أساطيره.

وكيف يسمح العالم لدولة فيها هذا الفكر بهذه الأسلحة وفيها من يتوهمون أن تدمير الناس شرط تحقق الإنسان الأخير؟”.

وواصل: “المجتمع الأمريكي حديث، ومهما تكن إيجابياته فإنه قائم على الإيمان بحق سحق الأرض والعنف وامتلاك السلاح للقتل في أي لحظة دون انتظار الدولة، وعمل الولايات المتحدة الأمريكية في العالم يجري بخلق المهاجر المغامر الطامع دائما في التوسع وشراء الأوطان، وسعت لشراء ألاسكا من روسيا، واليوم تريد شراء فلسطين وغزة وسيناء كما قال بذلك كوشنير (مستشار وصهر الرئيس الأمريكي السابق ترامب)”.

وشدّد الأكاديمي على أن على “السياسيين والمفكرين استخلاص دروس وعبر من طوفان الأقصى؛ فهناك تكبيل باستبداد داخلي ذاتي، نجح في إخماد مقاومة الشعوب، وتوجد عبثية كثرة الإنفاق الداخلي الذي لا ندري أَ لِنصرة المظلومين أم قمع المحتجين.

واليوم إحقاق الحق الفلسطيني معقود على الوعي الغربي في أمريكا والعالم أجمع، الذي يزداد، مع صمت عربي مطبق، هو عند البعض تواطؤ أو تخاذل على الأقل، فالاستبداد عندنا عائق للانعتاق (…) لكن نلحظ انعتاق الفكر الغربي من الأكاذيب الصهيونية شيئا فشيئا بعمل المجتمع المدني وقيم الديمقراطية”.

ثم أردف قائلا: “واقع الكيان أكدته العدوانية على غزة بطبيعة لا إنسانية، وتوضحت للعالَم صورته البشعة وطموحاته الجهنمية، والاعتراف به قمة العبث السياسي والأخلاقي، فكيف يجوز الاعتراف لدولة بشرهية اغتصاب أراضي الغير؟ والاعتراف ليس مجرد قرار سياسي بل قرار أنطولوجي وجودي، والتاريخ دلّنا على أنه كلما استطاعت الجماهير المقهورة الصبر على الأذى، فإن منطق التاريخ حتما يستجيب لها، وذلك حلم الشعوب المستضعفة خلال حقبة الاستعمار الطويلة، فكيف نمنع الفلسطينيين من ذلك الحق؟!”

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 4 أسابيع | 3 قراءة)
.