الدكتور يسري الشرقاوي يكتب: «القمح والخبز»

مما لا شك فيه أننا أمام العديد من القضايا الاستيرادية والاستهلاكية، ولعل واحدة من أهم هذه القضايا هى قضية «القمح» وما يتبعها من سلسلة متصلة فى ظواهر متعددة وتتدخل فيها عناصر كثيرة وجهات متعددة.

إن «قضية القمح» وتوفير القمح واستيراده وزراعته وحصاده ومطاحن الأقماح وصوامع تخزين الأقماح، وخطوات إنتاج الدقيق ومنظومة توزيعه وبيعه، ومنظومة التعامل مع المخابز المرخصة والتى تنتج الخبز المدعوم ومنظومة المخابز الحرة الخاصة الأخرى التى انتشرت، وتعاطى المواطن مع استهلاك واستخدام وشراء وتوزيع الخبز، وكل ما سبق ذكره ورغم كل الدراسات والأبحاث، إلا أنه يجب إعادة النظر فيه إذا كنا فى حاجة ماسة إلى السيطرة والترشيد لفاتورة استيرادنا والحفاظ على الأمن القومى الاقتصادى المصرى.

وحتى لا نتشعب كثيراً فى هذه النقطة ولا نهدر حق كبار الباحثين الذين أفنوا حياتهم فى هذا الملف وقدموا كل الحلول إلا أن التطبيق ما زال غائباً عن المشهد فى بعض الصور، قد يكون محموداً جداً أن يتم تسعير إردب القمح بـ٢٠٠٠ جنيه من المزارع، وهذا أول الغيث ونور قادم من بعيد يعبر عن اهتمام الدولة بالزراعة والمزارعين وزراعة القمح، لكن الحقيقة مهما زدنا الإنتاجية سيظل توزيع «كميات أجولة الدقيق» يحتاج مراجعة والقضاء على المافيا المتجذرة فى بعض قيادات غرف تجارية وروابط أصحاب المخابز، وهذا ملف عتيق يحتاج البتر، وعلى وجه آخر أتصور أن المعادلة السعرية لإنتاج رغيف خبز بجودة لا بد أن تُفتح وتطرح للمناقشة بلا أى خجل، المواطن فى كافة قرى مصر وسكانها يمثلون ٥٠٪ وأكثر من المجتمع المصرى يحصلون على الخبز المدعم بـ٥ قروش لتجفيفه واستخدامه بشكل غير مباشر أعلافاً للماشية والطيور، نستورد القمح بالدولار ونغذى الماشية المصرية بالدولار، كيف يستقيم الأمر، وفى ذات الملف كل قرية الآن بها من ٥-٦ مخابز خاصة تنتج رغيف الخبز بـ١ جنيه وأكثر وكل المواطنين فى القرى دون استثناء يستخدمون الخبز من المخابز الخاصة استخداماً مباشراً آدمياً، والخبز المدعوم غذاء حيوانياً، هل هذا العبث سيستمر لمجرد أن الكل يخشى فتح ملف الخبز وسعره المدعوم لأنه أمن قومى وملف سياسى وعاماً بعد عام تتفاقم الفاتورة الاستيرادية.

للأسف الشديد الدولة تستورد الأقماح بمليارات الدولارات وحتى كتابة هذه النقطة هناك مافيا تجارة دقيق مستورد تمرره عبر منافذ الدولة وقنواتها وتتاجر فيه وتحقق ثراء ناجماً من الدولار والدقيق المدعوم لصالح المواطن يستفيد به التاجر الجشع أو العنصر المتجذر والمتأصل فى مافيا الدقيق، يا سادة: اجلسوا مع أصحاب المخابز الصغيرة البسطاء وابعدوا عن الرؤوس ومجالس إدارات الغرف الخاصة والروابط لأنهم جزء من المشكلة.

.

الموضوع ليس بسيطاً وهو ملف كبير يحتاج مساحة أكبر لشرحه والدخول فيه تفصيلاً ولن يستطيع أحد الدخول فى «عش الدبابير».

.

إلا الدولة بفكر وإرادة وقوة حاسمة إذا أردنا أن ندخل للمشكلات الاقتصادية الحقيقية وحلها حلاً جذرياً يضمن استدامة اقتصاد بلا انتكاسة أو عودة للأزمات الطاحنة.

مصر      |      المصدر: الوطن نيوز    (منذ: 1 أشهر | 1 قراءة)
.