حسان الناصر: ولك الخرطوم فقُم!

لم يتركوا لك إلا أن تعود إلى مرابع الرصاص، وأن تزحف إلى الخرطوم، ومن خلفك الرجال الذين قُتل أبناءهم على جدران المدرعات، لا يريدون إلا العُليا، ودفاع عن العرض و المال، يوم أن ذهب الذين تحالفت معهم إلى فنادق و بارات العواصم التي تُعبّد لهم طريق العمالة، ذهبوا إلى مقامهم وبقينا نحن الذين لم نلعق قدم السلطة يوم أن تهافت المرجفون من حولك عشية التوقيع، يسومون لك سوء العمل.

ذهبنا حينها إلى مواقعنا لا نرجو سلطة العملاء ومكائد الخونة، وسرقة الدولة.

و فوق كل هذا لا بأس فالدولة باقية ببقاء الأحرار و الأبناء الذين أكلوا الحلال من عرق جباه الأباء، الذي تآمر عليه سدوميوا الشتات ومرتزقة الصحاري.

فوق كل هذا لنا في إجتياح بيروت، و إنتفاضة الأقصى، خير مثال، يوم أن كان البعض يقاتل ببندقية واحدة فقط في مدن عدة، وأنظر الآن كيف بُنيت قلاع من المقاومة تدكُ خطط ومشاريع الخونة.

إن كان تظن بأنهم قد ركعونا فقد رُكعنا يوم أن دخل أبي أحمد مباني سفارته في الخرطوم يناقش أزمة سياسية مع حفنة الساقطين وبائعي الذمم، رُكعنا من قبل يوم أن جلس فولكر الابيض يفاوض ويغامر بإسم هذه الأمة، و يمزق مستقبلها.

يوم أن كان رعاع النفط، يمرحون فوق خيرات البلاد يشرون الذمم، يتجولون مع الصهاينة في المقرن يفحصون مكتسباتنا، ويقودوننا كما تقاد الشاة في مضمار سباقهم يستعرضوننا مُستعبدين أذلاء.

نحن باقون على جبل الرماة، ندافع حتى آخر قطرة من حبر، وإن نزلنا فسننزل مقاتلين ندفن في طرقات مدننا محجلين بدعوات الأمهات، نغرس من أصلابنا أبناء ينبتون فتقام على أيديهم الدولة و تبقى أمة السودان واحدة متحدة.

لك فرصة الآن معفرة بغبار الأحرار في التاريخ، ” مُجرتقة” بصالح الدماء التي بُذلت في مضارب هذه الأرض، لن تجدي النياشين ولا البِدل العكسرية، فقط هو الرصاص، كما كان في تاريخ المؤسسة، حين وجدوا عبد الفضيل الماظ يمسك بزناده وقد فرغت ذخيرته لكنه لم ينكسر للإنجليز أو يبيع جنده.

لم يتركوا لك خيارا، لقد إستجديتهم في القمم و المؤتمرات و الخطابات، لقد قدمت لهم المنازل و المساكن، منازل المواطنين وتعب عمرهم وشقائهم يتوسده المرتزقة و مطايرد الدول.

حتى المواطن أصابه إنحطاط القادة ملهيات ورقص وحفلات في العواصم الخليجية، وتطبيع مع الكارثة، وحفلات بالقرب منك على ” كورنيش” البحر وأنت تذهب لإحتساء القهوة، كأنك قد إستعدت مقرن النيلين، فحق للشعب أن يعيش في ملهاته، ستة ملايين ولم يتعلم الدرس أحد.

إن التاريخ قد بذل لك طريقا واحد فإما حافظت على الأمة و الدولة و استعدت العاصمة، أو أننا سنموت واقفين كما النيل نرتضي الموت في عز بدل أن نباع في سوق النخاسة قرابين لمطامع الإمارات و أذرعها السياسية و العسكرية، فنحن لن نرضى أن نشاهد هذا التاريخ، فإما الوطن أو الموت.

حسان الناصر                                      

السودان      |      المصدر: النيلين    (منذ: 5 أشهر | 4 قراءة)
.