كاتبة اماراتية: تاريخ من نوع مختلف..!

في تراثنا العربي الكثير من الأمثال، التي قيلت في سياق أحداث أو قصص محددة، فباتت مضرب مثل يتم ترديدها، وهذه الأمثال توجز في الحقيقة الكثير من الكلمات، وتوصل الفكرة والمطلوب في أقل حيز زماني ممكن، وتكون لها قدرة على الإقناع، أو على الأقل لها قدرة أن تجعلك تعيد التفكير والتمهل، من هذه الأمثال والتي جاءت في سياق قصة تروى أن رجلاً يملك الكثير من الأموال توفي وهو في سفر بعيد عن مدينته، وعندما وصل خبر وفاته إلى أسرته، قرروا إقامة مراسم العزاء، لكن البعض منهم طالبوا بأن يتم تقسيم الميراث أولاً، لكنّ أخاهم الأكبر طلبهم أن يتريثوا حتى تنتهي مراسم العزاء، فرفضوا وقاموا بشكواه لدى قاضي المدينة، قام الأخ بسرد ما حدث له من أخوته على أحد الحكماء وكان يجلس معهم رجل عرف بأنه مجنون، فطلب الرجل الحكيم من المجنون أن يعطي رأيه في هذا الموضوع، فقال المجنون: اذهب للقاضي وأبلغه بأنه لا يوجد دليل أو شهود على وفاة والدك، وبالفعل ذهب الأخ الأكبر للقاضي وطلب إثباتاً بأن والده قد توفي، فحكم بتأجيل توزيع تركة الأب الغني حتى يتم التأكد من الوفاة، فقال الابن، كلمة غدت مثلاً وهي: «خذوا الحكمة من أفواه المجانين».

وتتنوع الحكم والأمثال وسببها ما بين الجدية والطرافة لعلّ من الطريف مثل: «عادت حليمة لعادتها القديمة»، والتي يقال بأن حليمة كانت امرأة بخيلة وزوجها رجل ثري لكنه كريم، ووصل درجة بخلها أنها لا تضع السمن خلال الطبخ، فأراد الزوج أن يعودها على الكرم والعطاء، فقال لها إن هناك قولاً قديماً يتم ترديده بأن المرأة كلما وضعت ملعقة من السمن في الطعام زاد عمرها يوماً.

فأخذت الزوجة تزيد ملاعق السمن في كل مرة تقوم فيها بإعداد الطعام للزوج أو لضيوفه أو حتى للمساكين والعابرين، وتعدل حالها وبات طهيها لذيذاً، لكنها فجعت بوفاة ابنها، فحزنت وأرادت الموت، لذا لم تعد تضع أي ملعقة من السمن في الطبخ، فقيل، عادت حليمة لعادتها القديمة، وذهبت مثلاً.

التاريخ العربي والذاكرة العربية يحملان الكثير من مثل هذه القصص التي تتنوع بين الجدية والفكاهة وبين الحقيقة والخرافة، إلا أنها تعتبر مؤشراً على ثقافة تلك المجتمعات في تلك الحقب، الأكثر أهمية هو ما يمكن اعتباره تاريخاً حفظته العقول ونقل من جيل لآخر على امتداد سنوات طويلة، تاريخ حمل التجارب الإنسانية والخبرات والحكم، ذلك أن المخزون العربي يحتوي على قيم في كافة المجالات الحياتية من التجارة إلى الحروب والسلم والحب والضيافة ومساعدة المحتاج وغيرها كثير.

لذلك جاءت فكرة نقل هذا التاريخ – التاريخ الشفاهي – وحفظه سواء بالتدوين أو الحفظ الصوتي، وبلادنا ولله الحمد كانت رائدة وسباقة في هذا المجال.

وتبقى الحكم والأمثال والقصص والمناسبات التي قيلت فيها، لها قيمة وتحظى باهتمام بالغ لدى الكثيرين حتى يومنا هذا.

فاطمة المزروعي – صحيفة البيان                                      

السودان      |      المصدر: النيلين    (منذ: 5 أشهر | 2 قراءة)
.