لاكروا: المجلس العسكري الحاكم في ميانمار.. كابوس الروهينغا

قالت صحيفة لاكروا (La Croix) الفرنسية إن آمال أقلية الروهينغا المسلمة المضطهدة في مستقبل أفضل في ميانمار ضعيفة أصلا، وهي تكاد تتلاشى الآن مع عودة عدوهم الأسوأ، جيش ميانمار الذي استولى على كامل السلطات، مذكرا إياهم بضعفهم الشديد.

وفي لفانيسا دونياك، استعرضت الصحيفة أوضاع هذه الأقلية من خلال قصة ريان (اسم مستعار)، ذلك الشاب المحروم من جنسيته ويعيش بؤس اللجوء في وسط حي يضم أكثر من مليون لاجئ من الروهينغا في شبه جزيرة تكناف بجنوب بنغلاديش.

ففي متاهة الملاجئ المصنوعة من الخيزران والصفائح المعدنية والقماش المشمع، حيث تشكل قطارة المساعدات الدولية مدد الحياة الوحيد للروهينغا، تعلم ريان فن البقاء على قيد الحياة وتزوج وأنجب طفلين، منتظرا العودة غير المتوقعة من رحلة كان من المفترض أن تكون مؤقتة، إلى مسقط رأسه في ميانمار.

لكن هذا الأمل -كما تقول الكاتبة- بدأ يتلاشى أكثر فأكثر منذ الانقلاب العسكري الأخير في ميانمار، يقول الشاب "مستقبلنا مظلم.

نحن قلقون للغاية بشأن إمكانية العودة إلى الوطن، وبشأن محنة ميانمار برمتها، وبشأن إخواننا الذين بقوا هنالك.

إنهم في خطر، لأن الجيش يمكن أن يستهدفهم في أي وقت".

وقالت الكاتبة إن الشاب ريان شهد تاريخ عائلته يتعثر على مر السنين، حيث يتواصل فرار هذه الأقلية المسلمة المطاردة من قبل سلطات ميانمار البوذية التي تعتبرها منبوذة وعقبة أمام الوحدة الوطنية، وتحرمهم منذ عام 1982 من جنسيتهم.

ناجون من إبادة جماعية وفي أغسطس/آب 2017، دفعت المجازر التي ارتكبها جنود ميانمار في إقليم راخين (أراكان) بما يصاحبها من قصص الاغتصاب والإعدامات وحرق القرى، 742 ألف شخص من الروهينغا إلى العيش بمعسكرات في بنغلاديش، وقال ريان متحدثا عن القوارب التي غرقت بالمئات من رفاقه اليائسين الباحثين عن أمل أفضل في ماليزيا أو تايلند "نحن ناجون من إبادة جماعية".

أما اليوم -كما تقول الكاتبة- فمصير الروهينغا في ميانمار قد أصبح تحت رحمة ألد أعدائهم، التاتماداو (جيش ميانمار) الذي حوّلهم إلى واحدة من أكثر الأقليات اضطهادا على الكرة الأرضية، خاصة أن العقل المدبر للانقلاب هو الجنرال مين أونغ هلينغ، قائد مذابح صيف عام 2017.

ومع أن ميانمار تبرر ما قامت به من مجازر بأنها كانت في مواجهة مجموعة من متمردي راخين، فإنها تبقى متهمة بارتكاب "إبادة جماعية" من قبل الأمم المتحدة، ويحاكم قادتها أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي التي مثلت أمامها رئيسة الحكومة المدنية وأيقونة المعارضة السابقة أونغ سان سوتشي عام 2019.

فقدت كرامتها واحترامها ويقول ريان إن حاملة جائزة نوبل للسلام لعام 1991 أونغ سوتشي، حتى ولو كانت سجينة عند الجيش لم تعد تحظى بأي تعاطف من الروهينغا الذين رأوا في حكومتها رمزا للديمقراطية الزائفة والتنازل للمجلس العسكري، حيث أصبح إقليم راخين في عهدها منطقة حرب، "بالنسبة لنا فقدت كرامتها واحترامها".

ويقول تون خين، رئيس المنظمة البريطانية للروهينغا، إن حكومة مدنية حتى ولو كانت محدودة، يمكنها كبح جماح توجهات العسكر الذين أظهروا في الماضي استعدادهم لاستخدام العنف ضد الروهينغا، متسائلا هل سيهاجمهم من جديد؟ خاصة أن "الانقلاب يعرضهم لخطر أكبر"، كما يقول محامي حقوق اللاجئين دانيال سوليفان.

وأوضح تون خين أن نحو 600 ألف من الروهينغا ما زالوا في راخين، مع نحو 126 ألف نازح، بعضهم في مخيمات غير مستقرة، وهم محرومون من الجنسية وحرية التنقل والحصول على الرعاية الصحية والتعليم، في وضع يقترب من "الفصل العنصري"، وفقًا لمنظمة العفو الدولية.

خطوات إيجابية رغم كل هذا، ترى الكاتبة أن وضع الروهينغا أقل توترا في الآونة الأخيرة، مشيرة إلى قول وقار الدين، رئيس منظمة اتحاد الروهينغا "أراكان" في الولايات المتحدة، "إن عواقب الانقلاب غير مؤكدة، لأن الجيش اتخذ خطوات إيجابية، حيث التقوا على سبيل المثال، بقادة الروهينغا لطمأنتهم، وأبلغوا بنغلاديش أنهم ما زالوا ملتزمين بإعادة اللاجئين إلى أوطانهم.

ما لم يكن ذلك تكتيكا لإرضاء المجتمع الدولي".

وعلى الرغم من الأزمة الحالية، فإن بنغلاديش تواصل إبداء رغبتها في تواصل عملية عودة اللاجئين، بموجب اتفاق نهاية عام 2017 مع سلطات ميانمار، لأن الروهينغا يشكلون عبئا على هذه الدولة الفقيرة التي تحاول نقل بعضهم إلى جزيرة مبنية لهذا الغرض، رغم رفض المدافعين عن حقوق الإنسان لذلك.

وقال المحامي دانيال سوليفان إن "احتمال عودة الروهينغا كان متوقفا تقريًبا قبل الانقلاب وهو الآن أكثر تراجعا"، وذلك عائد إلى أن سلطات ميانمار كانت تتباطأ في إعادة دمج الأشخاص غير المرغوب فيهم، والأشخاص أنفسهم لا يريدون العودة دون ضمان سلامتهم وحقوقهم.

تعاطف لأول مرة وقالت فانيسا دونياك إن بعض النشطاء والخبراء يأملون في أن يدفع الانقلاب المجتمع الدولي لمواجهة مسؤولياته في ميانمار رغم دعم الصين لها، بدءا بمواصلة محاكمة مرتكبي الإبادة الجماعية التي أجريت في لاهاي.

وقال سيمون بيلينيس الذي يدعو إلى فرض عقوبات ويقود حملات مقاطعة للضغط على المصالح المالية للجيش، "دون رد دولي قوي، لن يتراجع الجيش"، وهو يرى أن شركات أجنبية مثل توتال الفرنسية وشيفرون الأميركية وتاجر المجوهرات السويسري هاري وينستون، متهمون بشراء "أحجار الإبادة الجماعية" بتعاملهم مع المجلس العسكري في ميانمار.

ويتعرض المجلس العسكري لضغوط بعد تبني الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة ضد المسؤولين عن الانقلاب، وكذلك ندد وزراء خارجية دول مجموعة السبع "بشدة" بالعنف ضد المتظاهرين، داعين القوات الأمنية إلى "ضبط النفس"، ومن المتوقع أن تحاول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ممارسة ضغط هذا الأسبوع.

الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 3 سنوات | 7 قراءة)
.