صحف أمريكا الصغيرة تستغيث: أنقذونا من حيتان وول ستريت

هيث فريمان، رئيس صندوق التحوط آلدن جلوبال كابيتال، الذي يصفه بعض موظفي شركاته والمصرفيين الذين أبرموا صفقات معه بأنه "حاصد الأرواح المتجهم"، هو شخصية لا يعرف شيء كثير عنها.

يبدو على الشاب البالغ من العمر 40 عاما أنه مثال لخبير مالي عادي يعمل في صناعة التحوط: مندفع، وواثق، وشعر معقوف إلى الوراء من استخدام الجل.

وهو مواطن من نيوجيرزي وابن لمصرفي استثماري، التحق بجامعة ديوك في نورث كارولينا، حيث انضم إلى إحدى الجمعيات الطلابية ولعب كرة القدم محترفا.

توفي والده عندما كان طالبا، ووالدته بعد ذلك ببضعة أعوام – وهي تجارب أشار إليها فريمان سابقا وكانت وراء وجهة نظره المتشددة لكيفية عمل العالم.

يوصف بأنه "يركز على خصوصيته إلى حد كبير للغاية"، فقد ظل صامتا لأعوام في الوقت الذي كان فيه موظفو الشركات التي يشتريها يعبرون عن غضبهم منه علنا.

لا يزال موقع آلدن الإلكتروني غامضا، حيث يرحب بالزائرين بغابة مشمسة تصلح لشاشات كومبيوتر سطح المكتب - ولا شيء آخر.

صندوق آلدن الذي أسسه راندال سميث، وهو شريك سابق في بير ستيرنز، البنك الاستثماري الذي انهار في الأزمة المالية العالمية، يجني معظم أمواله عن طريق شراء حصص في أصول متعثرة أو شركات ناضجة.

وهذه تشتمل على سلسلة الصيدليات Fred’s ومتاجر الأحذية بالتجزئة Payless.

أعلنت كلتا الشركتين في نهاية المطاف عن إفلاسهما، بينما ظل آلدن يجني الأرباح، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.

الخوف من آلدن عميق للغاية لدرجة أن بعض موظفي مجموعة تريبيون الإعلامية القدامى بدأوا في البحث عن وظائف جديدة بمجرد أن اكتشفوا حصته في الشركة.

بين الصحافيين، تكثر القصص عن تأثير التغييرات.

إضافة إلى عمليات التسريح، تختفي اللوازم المكتبية مثل الأقلام والملفات.

الماء الساخن مغلق.

تظهر الأسقف المتسربة والعفن.

وفي النهاية: لا يوجد مكتب على الإطلاق.

وصف أحد المراسلين وصول فريمان بأنه "شعور وكأننا نسقط من على حافة منحدر".

فريمان يخبر "فاينانشيال تايمز"، في رسالة بريد إلكتروني عبر مستشار العلاقات العامة الخاص به، أن الجميع فهموا القصة بشكل خاطئ.

"من المهم أن يفهم الناس أننا نحاول في الواقع إنقاذ كثير من الصحف من الانقراض.

ووضعها على طريق الاستدامة.

لنقلها إلى الجانب الآخر، مهما كان الشكل الذي يمكن أن يظهر به ذلك".

مع تقلص الإيرادات بنسبة 10 في المائة سنويا، فإن طريقة البقاء على قيد الحياة، من وجهة نظر فريمان، هي اختصار النفقات إلى أدنى حد ممكن، وفقا لأشخاص مطلعين على استراتيجيته.

وهو يعتقد أنه خلال الأوقات الجيدة، عندما كان للصحف هوامش تدفق نقدي تزيد على 35 في المائة، أساء المالكون منذ فترة طويلة إدارة أعمالهم من خلال تحمل أكوام من الديون التي أصبح من المستحيل سدادها بعد أزمة 2008.

كان هذا الركود هو المرة الأولى التي ينظر فيها فريمان إلى الصحف على أنها مساحة قابلة للاستثمار.

يقول: "لقد تركوا في الأساس لكونهم في عداد الأموات، من قبل كثير من الناس الذين كان من الممكن أن يكونوا منقذين لو أنهم كانوا على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة أو تمويل الخسائر".

عندما استحوذ على صحيفة "أورانج كاونتي ريجستر" Orange County Register التي تصدر في كاليفورنيا الخارجة من الإفلاس في 2016، وفر فريمان المال بعدة طرق، بدءا من خفض 80 في المائة من تكاليف التوريدات المكتبية إلى إغلاق المباني باهظة الثمن.

وهو يشعر أنه كان متقدما على المنحنى في عدم حاجته إلى مساحة مكتب فعلية، وفقا لأشخاص مقربين منه.

تقليص التكاليف يحقق آثاره بالتأكيد.

حققت مجموعة ميديا نيوز نحو 20-25 في المائة من الهوامش التشغيلية في 2019، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر، أي أكثر من ضعف ما حققه أقرانها مثل جانيت أو حتى نيويورك تايمز.

في 2020، على الرغم من أن الوباء حطم الإعلانات وتراجعت عائدات ميديا نيوز 20 في المائة، فإن الشركة كانت لا تزال في سبيلها لتحقيق الربح.

يجادل منتقدو فريمان بأنه من خلال الاستغناء عن الكثير - 71 في المائة من الموظفين في الصحف التي تمثلها رابطة آلدن خلال الفترة من 2012 إلى 2019، وفقا لنقابة الصحافيين NewsGuild - لم تتبق أي صحيفة لإنقاذها.

مع ذلك، مدير صندوق التحوط يصر على أنه قدم للصحف أكثر مما فعل كثير من الأثرياء مثل مؤسس أمازون جيف بيزوس، مالك صحيفة واشنطن بوست، مشيرا إلى صحف تم بيعها بسبب الإفلاس كان صندوق آلدن هو صاحب العرض الوحيد فيها.

من منظور فريمان، هو ليس الشرير الذي يقضي على الوظائف، بل هو البطل الذي ينقذها.

قال شخص مطلع على تفكير فريمان: "لا أعرف مليارديرا يريد تمويل الخسائر (.

.

.

) أعني، أين بيزوس من كل هذا؟ لا أعرف لماذا لا يتقدم لشراء الصحف المحلية".

صدى صرخة أليكس بوترمان لإنقاذ صحيفة هارتفورد كورانت يتردد في جميع أنحاء البلاد، في الوقت الذي تحاول فيه الصحف الصغيرة الأخرى العثور على مستثمرين أثرياء ذوي عقليات مؤيدة للصحافة الحرة، لإنقاذها من صناديق التحوط والأسهم الخاصة.

إلى جانب صحيفة واشنطن بوست، اشترى أصحاب المليارات في العقد الماضي الصحف المهيمنة في لوس أنجلوس وبوسطن ولاس فيجاس وسولت ليك سيتي ومينيابوليس.

في لغة السياسة، أطلق نقاد الصحافة على هذه الطريقة "إعادة زراعة" الصحف الأمريكية.

ستيف والدمان، مؤسس "ريبورت فور أمريكا"، وهي منظمة صحافية غير ربحية على غرار "فيلق السلام"، يقترح جمع أموال من أجل ما سماه "صندوق إلغاء الاندماج" لإعادة شراء الصحف الفردية.

قد يبدو هذا وكأنه حلم باهظ الثمن لكن بفضل عقود من السقوط الحر، فإن إعادة شراء الصحف الأمريكية هو أقرب إلى كونه صفقة رابحة هذه الأيام.

في 2014، بعد أن فصلت مجموعة تريبيون صحفها عن أعمالها الإذاعية، بلغت قيمة الصحف وحدها نحو مليار دولار، الآن تبلغ القيمة السوقية لشركة تريبيون نحو 560 مليون دولار، حتى بعد عرض الاستحواذ من آلدن.

يقول موظف عمل في تريبيون لمدة 30 عاما، في إشارة إلى قيمة دار النشر قبل عرض آلدن: "يمكن لجولدمان ساكس جمع 400 مليون دولار خلال ساعتين.

ما يذهلني هو أن المهرجين من أمثال آلدن مقابل مبلغ صغير من المال يمكنهم التحكم في كل هذه الصحف".

ربما انتقلت الفكرة إلى أبعد نقطة في الآونة الأخيرة في بالتيمور، ولاية ماريلاند.

يقول مات جالاجر وبوب إمبري، رئيسا المؤسستين الخيريتين المحليتين، جولدسكر Goldseker وآيبل Abell، اللتين تتحكمان معا في نحو 500 مليون دولار من أصول الأوقاف، إنهما وجدا مستثمرين راغبين في شراء شركة بالتيمور صن المملوكة لشركة تريبيون.

يقدر جالاجر أن القيمة السوقية العادلة لصحيفة ذي صن تراوح بين 20 مليون دولار و 35 مليون دولار، لكن من المحتمل أن تكون مجموعته من المستثمرين على استعداد لدفع ضعف المبلغ لإنقاذ الصحيفة وتحويلها إلى مؤسسة غير ربحية.

هناك مشكلة واحدة فقط.

صندوق آلدن ومجموعات أخرى مثله تكسب المال من عمل الصحف.

يريد فريمان شراء المزيد منها لا أن يبيعها.

على الرغم من تدهور الصناعة، لا يزال بإمكان الصحف أن تحقق أرباحا.

وفقا لأشخاص مطلعين على شؤونها المالية، تحقق صحيفة كورانت أرباحا تشغيلية لا تقل عن مليوني دولار سنويا.

حققت تريبيون في 2019 أرباحا معدلة تزيد على 100 مليون دولار على أساس 983 مليون دولار من الإيرادات.

إلى جانب صندوق آلدن، قادت مجموعتان أخريان فورة التسوق في الصحف: مجموعة فورتريس للاستثمار، التي تسيطر عليها مجموعة سوفتبانك اليابانية للتكنولوجيا المالية، وتشاثام لإدارة الأصول، التي يديرها أنتوني ملكيور، المصرفي السابق في جولدمان ساكس ومورجان ستانلي.

على مدار الـ14 شهرا الماضية، استحوذت جيت هاوس ميديا GateHouse Media، التي كانت تدعمها شركة فورتريس حتى كانون الأول (ديسمبر)، على جانيت مقابل 1.

4 مليار دولار بعد فوزها على آلدن في حرب مزايدة، ما يجعلها أكبر ناشر للصحف الأمريكية من حيث عدد الصحف والتوزيع.

أوجدت الصفقة عملاقا يضم أكثر من 21 ألف موظف عبر 550 صحيفة، بما في ذلك "يو إس أيه توداي" و"ديترويت فري برس".

اشترت شركة تشاثام، التي اشتهرت بحصتها المسيطرة في صحيفة ناشونال إنكويرر National Enquirer الشعبية، شركة ماكلاتشي McClatchy بعد إفلاسها في آب (أغسطس)، وورثت صحفا من بينها "ذا ميامي هيرالد" و"سكرامنتو بي".

السؤال المعلق فوق موظفي مجموعة تريبيون البالغ عددهم خمسة آلاف موظف: هل سيستخلص فريمان السيطرة على الشركة من الآخرين؟ الاحتمالات المستقبلية بالنسبة لميسون سلين، صاحب مشاريع تكنولوجية وثالث أكبر مساهم في تريبيون بحصة 8 في المائة، لن تريح بالهم.

فهو يقول: "مستعد أن أبيع بالسعر المناسب.

ليس لدي أي مشاعر حيال ذلك".

يقول بعض مديري الأخبار إن الهوس بفريمان وأفعاله في غير محله، بل إنه غير منتج.

إذا كانت كل هذه الصحف قادرة بطريقة سحرية على إيجاد مالكين جدد، فإنهم سيواجهون المشكلات الوجودية نفسها.

أصحاب المليارات لا يريدون تمويل الخسائر إلى الأبد، كما يتضح من عمليات التسريح العام الماضي في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، المملوكة لملياردير التكنولوجيا الحيوية باتريك سون شيونج، ثاني أغنى رجل في لوس أنجلوس بعد إيلون ماسك، وذا أتلانتيك، المجلة تملك لورين باول جوبز، أرملة ستيف جوبز، أغلبية أسهمها.

تقول ستايسي ماري إسماعيل، مديرة التحرير في ذي تكساس تريبيون، وهي منظمة إخبارية غير ربحية تم إطلاقها في 2009: "الخطر من وجهة نظري يكمن في إلقاء اللوم على صناديق التحوط هو أن (.

.

.

) المؤسسات الإعلامية نفسها لديها تاريخ من تحدي قرارات الإدارة المالية التي لا نحب الحديث عنها دائما.

سوء إدارة غرف الأخبار لا يقتصر على صناديق التحوط".

لم تكن تريبيون غريبة عن الخلل الوظيفي الملحوظ قبل وصول فريمان إلى المشهد.

في 2016، تمت إعادة تسميتها تحت اسم "ترونيك" tronc في محاولة تمت السخرية منها على نطاق واسع لتقديم نفسها كشركة رقمية متطورة.

في غضون عامين، تم تغيير الاسم مرة أخرى وخرج مايكل فيرو ـ مستثمر من شيكاغو كان وراء هذه الاستراتيجية المشؤومة ـ من منصب رئيس مجلس الإدارة وسط ادعاءات بالتحرش الجنسي.

مع ذلك، أمضت نقابات العاملين الأشهر الستة الماضية في وضع خطة لمحاولة طرد فريمان من صناعة الأخبار.

تريد نقابة الصحافيين NewsGuild من المشرعين استحداث ضريبة من شأنها أن تحفز فريمان على بيع الصحف "إلى مستثمرين ذوي عقلية مدنية".

قد يؤدي هذا إلى فتح طريق مسدود وصلت إليه محادثات حول صفقة بين مستثمري بالتيمور المحليين وتريبيون حول صحيفة "ذا صن"، مثلا.

يقول آندي جريم، نائب رئيس نقابة الصحافيين في شيكاغو: "يجب أن يكون هناك بعض الإغراء لإخراج (آلدن) من الصناعة".

بالعودة إلى هارتفورد، أفسح الخريف الطريق أمام أعماق الشتاء، وهو ما يشير إلى تحذير بوترمان من أن الوضع يمكن أن يزداد سوءا دائما.

لا يزال هو وزميلته إميلي بريندلي قابعين في شقتيهما، يكتبان لـ"هارتفورد كورانت" عن الموجة الثانية الأكثر فتكا من فيروس كورونا.

ما يزيد من تعقيد الوضع هو احتمال أن يصبح فريمان في غضون أسابيع أقوى مما هو الآن.

إذا نجح صندوق آلدن في الاستحواذ على تريبيون، فإن فريمان سيدير ما يقارب 18 في المائة من توزيع الصحف اليومية الأمريكية، حسب تقديرات كين دكتور، محلل صناعة الإعلام.

في عرض الاستحواذ الذي قدمه آلدن بتاريخ 14 كانون الأول (ديسمبر)، قال صندوق التحوط إنه يأمل في إبرام صفقة "في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع".

التزمت مجموعة تريبيون الصمت، باستثناء بيان ليلة رأس العام الجديد بأنها وظفت بنوكا وأنشأت لجنة من أعضاء مجلس الإدارة المستقلين لتقييم الاقتراح.

قبل بضعة أعوام، اعتقد دكتور وغيره من مراقبي آلدن أن فريمان كان لديه نحو ثلاثة أعوام أخرى قبل أن يغادر.

الآن، يخبر فريمان الصحافة أنه يخطط لإنقاذ الصناعة، على الرغم من أنه ليس كل الناس يصدقون كلامه عن إنقاذ الصحف "من الانقراض".

سلين، الذي يملك 8 في المائة من أسهم مجموعة تريبيون، يعتقد أن سعر عرض آلدن لشراء تريبيون منخفض أكثر من اللازم.

يضحك بصوت عال على فرضية أن فريمان يحاول إنقاذ الصحف، قائلا: "إنه يريد كسب المال.

هذه هي القصة من أولها إلى آخرها".

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 3 سنوات | 23 قراءة)
.