المرايْقية والسّاطات والتحنْسيرة .. الألفاظ الدارجة الأكثر شيوعا بالمغرب‎

كشف الدكتور عبد الإله فراوت أن الكلمات الشفهية بالدارجة المغربية “تشكلت نواتها الصلبة عبر مسار زمني وسيرورة يصعب تحقيبها ويتعذر تأصيلها تاريخيا، لتصبح مادة شفوية مرجعية عند مستعمليها، كامنة في تفكيرهم ولاشعورهم الجمعي، لتقوم بوظائفها وتحافظ على استمراريتها، في انتظار تقادمها وهجرها تلقائيا وطبيعيا، بنفس الكيفية التي تسللت بها عند اقتحامها للمتخيل الجماعي، بمعنى آخر انمحاء هذه المفردة بفقدانها لجاذبيتها واستنفادها لصلاحيتها”.

ويضيف فراوت، في مقال له يحاول من خلاله مقاربة الألفاظ الدارجة الأكثر شيوعا، قائلا: “نستخلص أيضا من هذه التعابير أنها أكثر انتشارا وتغلغلا في أوساط الشباب، أي الفئة العمرية ما بين 16 إلى حدود 50 سنة، وهناك علاقة تناسبية عكسية مع ارتفاع السن، أي كلما ارتفع سن الأفراد قل شيوع هذه المصطلحات بينهم”.

المزيد من تفاصيل الموضوع في المقال التالي: مـدخـل نقصد بالألفاظ الدارجة في هذا المقال الكلمات والتعابير المتداولة في القول الدارج عند عموم المغاربة، حين استعمالهم للهجتهم المحلية في التخاطب والتواصل والتفاهم؛ أي اللغة المحكية أو العامية والتي نسميها الدارجة ترجمة للعبارة الفرنسية “Arabe courant”.

وحيث نفترض أن البحث في هكذا موضوع يندرج ضمن المجال المعرفي للسانيات أو الفونولوجيا، اللذين أحرزا تقدما ملموسا في هذا الميدان الأكاديمي، فإننا لن نتطاول على هذا المجال بالادعاء بالخوض فيه باستقراء علمي دقيق، لأن ذلك من شأن المتخصصين، بل كل ما نصبو إليه هو تمرين نظري ورسالة ذهنية نتوخى منها استفزازا فكريا لهؤلاء للاهتمام أكثر بهذا الجانب الاجتماعي من تواصلنا اليومي عبر الألفاظ الدارجة الشفوية الأكثر شيوعا بين ظهرانينا.

وتتجلى المادة المعتمدة في هذه المقاربة في رصد لعدد من الكلمات والمصطلحات الدارجة، وعددها 100 مفردة شفهية، تم استخراجها من خلال الملاحظة والمخالطة والتتبع اليومي في فضاءات عمومية مختلفة.

وعلى إثر ذلك قمنا بتصنيفها وتوصيفها جهد المستطاع وفق أسلوب منهجي للتحكم في تحليلها ولتيسير عملية فحصها، حيث عمدنا إلى تصريفها في محاور إجرائية تشكل وحدات متجانسة ذهنيا ودلاليا، وتشترك في المعنى نفسه والدلالة الرمزية ذاتها وتتقارب في الغالب كمرادفة لبعضها البعض.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وقبل استعراض هذه المحاور تجب الإشارة إلى أن الإشكالية الناظمة لكل خطوات هذا البحث، تتجسد في مدى اعتبار الكلمة المنطوقة أو الشفهية جسرا للتواصل بانسيابية وبشكل طبيعي بين الأفراد، علاوة على درجة كونها ضرورة حياتية لتشبيك العلاقات الاجتماعية والتعبير عن آراء وأفكار ومواقف الناس إزاء الوقائع والأحداث والظروف، أي حيال الظواهر المجتمعية، وذلك انطلاقا من خلفياتهم الثقافية ومعداتهم المعرفية.

ولا مندوحة أن الكلمة، من الوجهة الذهنية، تركيب أو اختزال للإدراك المجرد لهذه الظواهر، يتسنى معها الاستيعاب والتداول والتبسيط لمنتوج معيشي يتولد عن تفاعلات حسية ونفسانية ومعرفية تفرز تصورات وتمثلات تترسخ كأحكام اعتيادية ومشتركة.

توصيف وتصنيف على ضوء ما سبق، نبسط المحاور التي تؤطر المادة الخاضعة للدرس والتحليل، والمرتبطة بالألفاظ والمفردات الأكثر ذيوعا كالتالي: * في المجال السياسي، تم رصد الألفاظ المتداولة الآتية: المرايقية- العياشة- البارلا- الشفوي- خوك أنا- باك صاحبي- طالق السلوكية- اللحاسة- ما كيتقضاش فهماتور- وجه قاسح- زفاط- القرنابي- التقزديرة- مريكل- التشاش- شراها ليه.

والملاحظ هو أن كل هذه المفردات، ولو تحت مسميات مختلفة، يغلب عليها الإحساس بالاستخفاف والسخرية والتزلف واللاجدوى من العمل السياسي بل عدم الثقة فيه.

وليس من المجازفة القول إنه غالبا ما يتم الميل في هذا المجال وغيره إلى العنف اللفظي لتغطية ضعف الموقف الفكري من منظور التحليل النفسي.

* أما في المجال العاطفي، فنستحضر المصطلحات التالية: الساطات- الميمات- التيتيزات- بومبة- قرطاسة- خيبوعة- مزعوط- عقروشة- سليعفانة- كيتشتت كيتقطع- طريف- طايح على راسو- فيكتيم- عنيبة- بعلوكة- بلدية.

ونسجل هنا أن هذه المفردات تحاول الانفلات والتحرر من المكبوتات الجنسية الدفينة لتسقط لاإراديا في تعبير غرائزي فطري وبدائي، لا يعرف لجمالية الإحساس والذوق الرفيع سبيلا.

* وفي مجال الخدمات، تستوقفنا الكلمات الآتي بيانها: الكميلة- ازرب عليه- كول معيا- ادخل عندي- بين ليا- ركيزة- واصل- دبر عليه- موفا على راسو- صبعي تم- شراها ليه- نصاب- التحنسيرة- قاني عليه- طلع الجبل- ناضي- مخيبر- طحن- عفط- مهبهب.

واللافت في هذه التعبيرات أنها تحمل الكثير من معاني التحايل والحلول الترقيعية والإحالة على بعض المظاهر كالرشوة والابتزاز وغير ذلك، كما تنحو، في نوع من الوعي الشقي، نحو التشجيع على الحلول السهلة دون مجهود.

* وفي مجال وصفناه تجاوزا بالإيجابي، نقف على العديد من الألفاظ وهي: دريوش- الحطة- حديدة واعرة- الستون- الهيث- بلان-العز أخويا- مأنتك- علام- الهربة- نيفو هارب- زويزو- زاهية- رطب- حربي.

ويبدو من خلال هذه العبارات أنها تمتح من شحنات انفعالية لتركز على أشكال وانطباعات ذاتية لا تخلو من أسلوب الإيحاء والتلميح، وأحيانا تنزلق إلى الأضداد وهي جمع ضديد، وتعني في اللغة الشيء وعكسه، أي الكلمات الدالة على معنيين متضادين.

* أما في مجال صنفناه في خانة ما هو قبيح، نجد جملة من الكلمات التي تذهب في هذا الاتجاه وهي: بوزبال- هيطوكي- مدعشش- هارب ليه لفريخ- مفروح-الحكرة- دمدومة- البعابع- شمكار- كحلة زحلة- لكلخ-جلدة- الخوانجية- مليوط- حامض.

والظاهر انطلاقا من هذه المفردات أنها عبارة عن إسقاطات سلبية على الآخرين، بالاستعانة بمجاز اندفاعي وعدواني أحيانا لا تخطئه الأذن.

*وفي مجال آخر أطلقنا عليه عنوان “مختلفات”، نستعرض مكوناته عبر بسط هذه الألفاظ: لايكي والديسلايكي- جمجم- خيس- كاولا ما كا- عميق- كيطيرني- كا يتشنت عليه- التنشيط- كايتمزك.

والملاحظ هو أن هذه المفردات تمثل خليطا هجينا بين اللغتين العربية والفرنسية، وغالبا ما ترتبط بمصطلحات تقنية ذات صلة بوسائل التكنولوجيا الحديثة.

خلاصات واستنتاجات إذا كان من العسير فك ألغاز كافة هذه المصطلحات وتفسير رموزها، فإن ذلك لا يمنعنا من إبداء جملة من الخلاصات والاستنتاجات المستخلصة من هذه المقاربة، فما لا يدرك كله لا يترك جله.

وأولى هذه الاستنتاجات هي كون هذه الكلمات الشفهية تشكلت نواتها الصلبة عبر مسار زمني وسيرورة يصعب تحقيبها، ويتعذر تأصيلها تاريخيا، لتصبح مادة شفوية مرجعية عند مستعمليها، كامنة في تفكيرهم ولا شعورهم الجمعي لتقوم بوظائفها وتحافظ على استمراريتها، في انتظار تقادمها وهجرها تلقائيا وطبيعيا بنفس الكيفية التي تسللت بها عند اقتحامها للمتخيل الجماعي، بمعنى آخر انمحاء هذه المفردة بفقدانها لجاذبيتها واستنفادها لصلاحيتها.

نستخلص أيضا من هذه التعابير أنها أكثر انتشارا وتغلغلا في أوساط الشباب، أي الفئة العمرية ما بين 16 إلى حدود 50 سنة، وهناك علاقة تناسبية عكسية مع ارتفاع السن، أي كلما ارتفع سن الأفراد قل شيوع هذه المصطلحات بينهم.

ويبدو أن هذا الأمر يعزى إلى أن فئة الشباب أكثر التصاقا بالتجربة اليومية وأكثر نشاطا واحتكاكا مع واقع الفضاء العام، وبالتالي تتفتق موهبتهم وخيالهم في هذا المضمار أكثر من غيرهم.

وتستعير هذه المنظومة الكلامية وسائلها التعبيرية من الشارع العام، حيث ولدت من رحم قاموس يومي يؤطر أفقها الذهني، ويجد فيها الفرد كل العناصر التي يركب منها صوره المتنوعة في شكل إشارات ورموز شفهية، يوظفها لأغراضه التواصلية كمنظار يرى به ذاته ويسترشد به لمواكبة الأحداث وملاحقه الوقائع في مجتمع سريع التحرك وليس جامدا وراكدا.

وفي هذا الصدد، سنلتفت إلى ما أكده بعض المفكرين في كون روح كل حقبة تمثل المنطق العام الكامن وراء إنتاجاتها.

وهذا يصدق على الإنتاج الشفهي الشائع.

وإذا لم نكتشف هذه الروح فسنعجز عن فهم تلك الإنتاجات.

ويبقى حسب وجهة نظرنا، أخطر دور تقوم به الكلمة المنطوقة هو تقمصها لصورة نمطية أو أفكار جاهزة انطلاقا من معرفة قائمة على السطحية إلى درجة الابتذال أحيانا، ومن قوالب جاهزة يتم مشاطرتها ضمن نطاق واسع.

هذه القوالب الجاهزة والأحكام المسبقة تميل إلى تبسيط الواقع الاجتماعي وإلى إنكار ما يمتاز به هذا الواقع من تعقيد وتعددية وتناقض وتاريخانية.

إنها تتمظهر غالبا في شكل تعميمات اعتباطية، وتفكير تسطيحي وتطبيعي لخصائص اجتماعية أو تاريخية أو ثقافية حقيقية أو افتراضية.

وللتدليل على ما سلف، لا بد من ضرب مثال يقدم صورة ملموسة عما نقول ونختار في هذا الشأن المجال السياسي، نظرا لأن هذا الحقل يعتبر من المجالات الأكثر تقاطعا مع الحياة العامة للمواطنين ويشكل مجالا جمعيا مشتركا بامتياز، وفي نفس الوقت الأكثر عرضة للأفكار الجاهزة والأحكام المسبقة.

فمثلا كلمة “سياسة” على مستوى عامة الناس تحيل في ذهنيتهم على الدسائس والمكر والخديعة.

فهذه الكلمة كثيرا ما تتردد في الاستخدام المغربي الدارج للدلالة على عدم الصدق والاحتيال والخطاب الفارغ “الشفوي” غير المجدي والمراوغ.

إن هذه الاستعمالات لمفردة “سياسة” هي استخدامات غير نوعية حيث يمكن بسهولة استبدالها بمفردات لها.

وعموما يبدو أن المحتوى اللفظي للخطاب الرائج عن عالم السياسة يتم بخلط الناس بين الممارسة السياسية الشكلية للفاعلين، أي الأفراد، وبين المجال السياسي، الذي يعد فضاء للمشاركة المواطنة وللتعبير عن الرأي والتمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات، كمواطن حر ينتمي لروح عصره.

فكيف إذن نسمي هذا الجهاز المفاهيمي المتداول شفويا في المجتمع عن عالم السياسة، هل هو سلبية وشعور بالدونية وانعدام الثقة في النفس لدى المواطن وعدم تثمينه لقدراته؟ هل هو نوع من الاستنكار والاحتجاج؟ هل نسمي هذا هروبا من السياسة أم سياسة للهروب؟ على أية حال السياسة موجودة، شئنا أم أبينا، في كل مكان وكل زمان.

مخرجات ختامية لن نعثر، كخلاصة تركيبية لهذه الورقة، على تعبير أفضل مما قدمه بول لازارسفلد، وهو أحد الاجتماعيين الكبار، حيث قال في كتابه باللغة الفرنسية “ما هو علم الاجتماع”: يشعر المرء أحيانا أن صيغة التحليل النفساني وصيغة علم الاجتماع تخدمان هدفا واحدا، وهو الكشف عما يحرك الناس بدون علم منهم.

إن اللاوعي يحرك الناس من الداخل والنظام الاجتماعي يحركهم من الخارج”.

ومن هنا تبدو ملحاحية الحاجة إلى دراسات معمقة وأبحاث ميدانية يسهر عليها مختصون للاهتمام بتحليل وتشخيص هذا الزخم من المفردات الشائعة والألفاظ الشفوية الأكثر رجحانا والمهيمنة على التواصل والتخاطب اليومي للمغاربة.

وخصوصا التدقيق في آثارها عندما تتحول إلى تصرفات ومواقف مرئية وملموسة، أي الانتقال من المجال الشفهي إلى الحيز العملي/الحركي، وذلك بالاعتماد على الرصد الدقيق في مختبر الحياة اليومية لهذه المظاهر، والوقوف على تكرار تجلياتها وقياس تواترها وتقييم انعكاساتها، بعدما تستقر كتركيب لنموذج ذهني أو قاعدة ثابتة متداولة أو نمط قار.

من جهة أخرى، وفي ظل ما سلف، وإذا كنا قد انطلقنا في بداية هذا البحث من فرضية انتمائه إلى علم اللسانيات أو الفونولوجيا، فإننا نستخلص في الأخير أن المجال الأقرب لتحليل وافتحاص هذا الموضوع هو مجال علم النفس الاجتماعي، الذي ينصب اهتمامه أساسا على دراسة الكائن الحي، أخذا بعين الاعتبار المواقف الاجتماعية التي يتواجد فيها، بما فيها طبعا وضعيات تواصله وتخاطبه الشفوي المتداول.

إنه الدراسة العلمية التي تهمنا في هذا المقام للوقوف على سلوك الكائن الاجتماعي المغربي وهو يعيش في جماعة يتفاعل مع أعضائها، يؤثر فيهم ويتأثر بهم، بتعبير آخر هو العلم الذي يهتم بالدراسة العلمية لسلوك الفرد المغربي في شكل استجابات لمثيرات اجتماعية مختلفة.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 سنوات | 24 قراءة)
.