حداثة البلاستيك أم أصالة الورق؟

دشن عديد من الدول "بنجلاديش، روندا، أستراليا.

.

.

"، مع بداية الألفية الثالثة، حربه ضد مادة البلاستيك، بعدما وقف على حجم ونوعية المخاطر التي تتهدد حياة البشر، نتيجة الإمعان في استعمال هذه المادة، لكن هذه الحرب جاءت متأخرة نسبيا، حيث عرف القرن الماضي باسم "قرن البلاستيك"، فلا وجود لمكان من حولنا بلا بلاستيك، لقد بات يحاصرنا من كل جانب، حتى أصبح ضرورة لا غنى عنها في الحياة، بعدما حل محل عديد من المواد الطبيعية الباهظة الثمن، وأسهمت تكلفته المنخفضة في رفع مستوى المعيشة، بجعل المواد المصنوعة منه متاحة بسهولة أكثر.

زمنيا، تعود الثورة في مجال صناعة البلاستيك إلى نصف قرن فقط، فقد ارتبط التصاعد في إنتاج البلاستيك بأطوار الحرب العالمية الثانية، حيث صارت الأدوات والمنتجات البلاستيكية رفيقة الجنود في ساحات الوغى، في المعدات واللباس "الخوذات، المعاطف، المظلات.

.

.

".

وتضاعف حجم إنتاج هذه المادة خلال فترة الحرب، في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أربع مرات.

واصلت الشركات بعد الحرب أنشطتها في مجالات جديدة، مقدمة منتجاتها بديلا عن مواد أولية كالخشب والزجاج والنسيج، واتجهت نحو المنتجات الاستهلاكية.

يرجع فضل أو وزر، بحسب زاوية النظر إلى المادة، إلى الأمريكي جون ويسلي، بعد قبوله عام 1863 خوض غمار تحدي استخدام مادة تسمى "السيلولويد"، المصنوعة من السليلوز الموجود في الخشب والقش، لصناعة كرات البلياردو بدل عاج أنياب الفيل، الذي بات مهددا بسبب الصيد المفرط له، بحثا عن عاج الأنياب.

لم يتمكن ويسلي من تقديم حل لعشاق لعبة البلياردو، فالمادة خفيفة مقارنة بالعاج، وارتدادها ضعيف، علاوة على مخاطر سرعة اشتعالها.

حاول الكيميائي ليو بيكلاند، بعد أربعة عقود، تجاوز أخطاء ويسلي، بصناعة بوليمر جديد، بدل "السيلولويد" سمي "الباكليت"، نتاج مزج مادة الفينول بقطران الفحم.

وضع ابتكار هذه المادة الأبحاث حول البلاستيك على السكة، فبعد أعوام قليلة استطاع الباحثون تطوير مادة "البوليسترين" للاستعمال التجاري، ثم مادة "الفينيل" بصنفيها القوي والمرن، فألواح "الأكريليك" الشفافة التي تحاكي الزجاج، لكنها تقاوم الكسر، وفي الأخير النايلون، الذي صمم للنسيج قصد محاكاة الحرير.

رافق ذلك جهد مواز في مجال تقنيات التصنيع، فظهر أسلوب القولبة بالحقن، الذي أتاح فرصة إدخال البلاستيك المذاب في قوالب من أي شكل، ليتصلب بسرعة آخذا شكل القالب، ما أدى إلى ظهور منتجات متعددة الأشكال والأصناف، وأتاح طريقة زهيدة لإنتاج البلاستيك على نطاق واسع.

يخفي هذا الجانب المبهج في القصة خلفه مشكلات التلوث والنفايات، وتجدد الموارد البلاستيكية، ومسألة صعوبة التحلل.

.

.

وبدأت نتائج الإفراط في استخدام البلاستيك تظهر عمليا، بدءا من ستينيات القرن الماضي، مع وجود نفايات بلاستيكية في المحيطات في الولايات المتحدة الأمريكية.

ذكرت الصحفية سوزان فرينكل في كاتبها "البلاستيك: قصة حب سامة" أن من رواد اقتراح الصناعة البلاستيكية من اقترح تقنية إعادة التدوير، بعد تنامي المخاوف من تبعات الإفراط في استعمال هذه المادة، لكن هذا الحل لم يكن كافيا، حيث تنتهي الحال بمعظم المواد البلاستيكية في مدافن القمامة أو في البيئة.

نهاية دفعت المبتكرين إلى تطوير أبحاثهم في مجال البلاستيك الحيوي، المصنوع من المحاصيل النباتية بدلا من الوقود الأحفوري، في حين طالب البعض بجعل إعادة التدوير أكثر كفاءة، ودعا أخرون إلى الانتصار للبيئة، بتبني خيار القطيعة مع البلاستيك، واعتماد مواد قابلة للتحلل صديقة للبيئة.

تعد الأكياس البلاستيكية، التي ظهرت لأول مرة عام 1957 أول جبهات محاصرة الصناعة البلاستيكية، وصلت حد إصدار أحكام قضائية بالحظر ضدها، وفرضت دول بقوة القانون إجبارية العودة إلى استخدام الأكياس الورقية، فهي أقل ضررا وأخف وطأة من حيث الأضرار على البيئة.

تفيد الأبحاث بأن هذه النتيجة قد تكون صحيحة على مستوى المآل، لكنها حتما ليست كذلك في المراحل عند المقارنة.

يعتمد التأثير البيئي الإجمالي على كفاءة العمليات في كل مرحلة، وفاعلية تدابير الحماية البيئية الخاصة بها، لذا، لا يكون الحكم على جودة الأكياس الورقية بناء على سهولة إعادة تدويرها فقط، إنما يشمل تأثير التصنيع والنقل والتدوير حتى التحلل النهائي، وإسهامها في البصمة الكربونية.

تحتاج صناعة كيس روقي إلى أربعة أضعاف الطاقة التي يستهلكها نظيره من البلاستيك، ما يعني أن صناعة الورق تستهلك قدرا كبيرا من الوقود، كما يتطلب إنتاج الأكياس الورقية ثلاثة أضعاف كمية الماء اللازمة لصنع الأكياس البلاستيكية، علاوة على أن الأكياس الورقية ليست متينة بما فيه الكفاية، فهي أكثر عرضة للانقسام أو التمزق، خاصة إذا كانت مبللة، ما يعني أن المداومة على استخدامها يعني تصنيع مزيد ومزيد، نقيض الأكياس البلاستيكية التي تكسبها متانتها النسبية ميزة تكرار الاستعمال لأكثر من مرة.

تحظى الأكياس الورقية بالقابلية للتدوير عدة مرات، قبل أن تتحول إلى ألياف غير قابلة للتصنيع من جديد، حينها فقط يمكن أن تتحول إلى سماد.

دفع سرعان ما ينقلب ضدا على أنصار الورق، حين نعلم أن عملية إعادة تدوير الورق تستهلك وقودا، يقدر بنحو 91 في المائة من الزيادة، عند المقارنة بين تدوير كتلة من الورق تعادل الكتلة نفسها من البلاستيك.

تؤكد الأبحاث أن البلاستيك يتفوق على الورق، حتى في مدافن النفايات التي تعد مصدرا من مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة الرئيسة، عندما توضع النفايات في المكب، ففي الوقت الذي لا يتحلل فيه البلاستيك بيولوجيا، يمر الورق بمرحلة تحلل هوائي في وجود الأكسجين، تنتج غازات تتكون من نحو 50 في المائة من الميثان، ومثيلتها من ثاني أكسيد الكربون، وكمية صغيرة من المركبات العضوية الأخرى، ويعد الميثان من أقوى الغازات الدفيئة، ففاعليته تفوق تأثير ثاني أكسيد الكربون في التسبب في الاحتباس الحراري.

يظهر ما سبق أن ما يسوق أحيانا في الصحافة والإعلام، وحتى بعضا مما تلوكه الألسن، على أنه "حقائق" علمية، لا يعدو أن يكون رأيا ووجهة نظر، أو في أحسن الأحوال جانبا من الحقيقة فقط، تدخلت مصالح خاصة أو رعتها أهداف سياسية، فحولتها إلى يقين مطلق وحقيقية مثبتة "علمية".

فالبلاستيك كما هو شائع ومعروف مضر بالبيئة، لكن الورق من جهته بدوره ليس بريء الذمة، لدرجة أن مضاره تفوق أحيانا أضرار البلاستيك.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 3 سنوات | 23 قراءة)
.