هل سنفقد الغاز كما فقدنا الذهب؟

بسم الله الرحمن الرحيم هل سنفقد الغاز كما فقدنا الذهب؟* ورد في الاخبار يتاريخ 8/10/2020 أن: “أعلن الشيخ خضر المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك عن توقيع اتفاقيات في مجال الطاقة الكهربائية مع شركتي (M.

P.

S) متعددة الجنسيات جنرال الكتريك الأمريكية في يومي الرابع عشر والثامن عشر من اكتوبر الجاري على التوالي.

وستعمل شركة جنرال إلكتريك الامريكية على تأهيل سد مروي ومعالجة أخطاء إنشاء السد وتشغيل أحد التوربينات المتعطلة، إضافة إلى تركيب أنظمة رقابة إلكترونية لتقليل الأعطال ورصدها مبكرا.

إلى جانب ذلك ستعمل شركة جنرال إلكتريك وشركة أم بي أس على إنشاء محطات إنتاج وتطوير محطات كهرباء قائمة.

وقال كبير المستشارين بمكتب رئيس الوزراء الشيخ خضر لـ (التغيير) اتفقنا مع شركة جنرال إلكتريك الأمريكية على تنفيذ مشروعات طاقة ستنفذ بعضها بالشراكة مع شركة أم بي أس (M.

P.

S) متعددة الجنسيات وبعض المشاريع ستنفذها شركة جنرال إلكتريك منفردة.

وأضاف الشيخ: (سيتم التوقيع على الاتفاق مع جنرال إلكتريك وأم بي أس في الأسبوع المقبل وتحديدا في يومي 14، 18 من هذا الشهر).

ويشمل الاتفاق مع الشركة الأمريكية توريد قطع غيار لمحطة قري للكهرباء ومحطة محمود شريف ببحري ومحطة كهرباء كوستي بولاية النيل الأبيض إلى جانب تركيب معدات محطة الفولة بطاقة إنتاجية تبلغ *400 ميغاواط*” ثم جاء ايضا في الاخبار بتاريخ 14/10/2020 الاتي: “التقى رئيس مجلس الوزراء د.

عبد الله حمدوك اليوم بوفد رفيع المستوى من شركتي “جنرال الكتريك” الأمريكية و “مونيتور باور سيستمس” النرويجية بحضور وزير شؤون مجلس الوزراء السفير/ عمر مانيس، ووزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة د.

هبة محمد علي ووزير الطاقة المُكلّف الباشمهندس خيري عبد الرحمن وكبير مستشاري رئيس الوزراء الشيخ خضر.

ضم الوفد الزائر السيد كيرساد ابراهيم المدير الإقليمي لشركة جنرال الكتريك للشرق الاوسط السيد بيورن أيسرود المدير التنفيذي لمونيتور باور والسيدة مي عبد الحليم المدير التنفيذي لجنرال إلكتريك بالسودان ومصر وليبيا، وبحضور القائم بالأعمال الامريكي بريان شوكان.

وناقش الاجتماع الخطوات العملية لتنفيذ مشروع الطاقة المشترك في مدينة الفولة بغرب كردفان بين الشركة الوطنية للبترول (سودابت) وشركة مونيتور باور، والذي يهدف لزيادة انتاجية الكهرباء بحوالي *570 ميغاواط* باستخدام الغاز الطبيعي المنتج محلياً والذي كان يتسرب سابقا بدون الاستفادة منه.

تُقدّر التكلفة الإجمالية للمشروع بـ 915 مليون دولار، ويُعد هذا المشروع بمثابة فاتحة لمزيد من الاستثمارات الأجنبية الكبيرة للبلاد ومؤشرا لعودة السودان لسوق الاستثمار العالمي وكما سيساهم في خلق العديد من فرص العمل للشباب السوداني.

من المخطط أنه مع الكهرباء التي ستنتج من هذا المشروع بأن تنتفي الحاجة لدعم مصادر الكهرباء عالية التكلفة مما سيوفر على البلاد ما يعادل 385 مليون دولار سنوياً، كما أن ملكية المشروع المشترك ستضيف للبلاد حوالي 100 مليون دولار سنويًا، كما ستتم أيضاً معالجة وانتاج 350 طن من غاز الطبخ المسال (LPG) والذي سيساهم في معالجة العجز المستمر في السوق بالإضافة لمعالجة وبيع 2520 برميل يومياً من الغاز المُكثّف (Condensate Gas) مما يقلل الحاجة إلى الاستيراد.

” *لقد قصدت من ايراد الخبرين أعلاه إظهار التضارب بين الخبرين في الارقام خاصة القدرة المستهدفة لانتاج الكهرباء و تكلفة تمويل المشروع وهي أرقام لا يتم التغيير فيها إلا بدراسات فنية معقدة وإستشارات هندسية مطولة مع الاجهزة الفنية المختصة*، ولكن يبدو ان محاولة تبرير تكلفة المشروع العالية جعلتهم يقومون برفع إنتاجية المحطة الي *570 ميقاوات* حتي يجد عرض المشروع قبولاً اكبر خاصة ان صيانة المحطات الموجودة التي تم ذكرها في الخبر الأول لا تكلف مبالغ كبيرة *و قد سبق ان عرضت جمهورية ألمانيا عند زيارة رئيسها للسودان تسهيل عمليات صيانتها بمبالغ زهيدة لا تكلف الحكومة السودانية شيئا يذكر وتتحمل حكومة المانيا التكلفة دعما للثورة السودانية.

* لفائدة جميع القراء ساحاول توضيح الخلل في جوانب هذا الاتفاق بطريقة مبسطة بدون تفاصيل فنية وإدارية معقدة لأن هذه القضية تهم جميع السودانيين وليس الفنيين وأصحاب الاختصاص فقط، و سأركز حسب تخصصي علي اقتصاديات جانب الكهرباء فيها و سأترك إقتصاديات الغاز لأهل تخصصه.

و لكن الاهم هو قضية استخدام مورد الغاز الطبيعي في السودان أولاً لأنه هو مورد هام تعود ملكيته للشعب السوداني وثانياً لأنها قضية تتعلق بالطاقة وما يسببه العجز فيها من معوقات جمه لإنطلاق الاقتصاد السوداني و التطلع إلي تحقيق تنمية مستدامة.

أولاً: أورد الحقائق الآتية: `1- أن تكلفة مشاريع إستغلال الغاز المشار إليها في الاتفاق أعلاه وحسب ما كانت تعرضه شركة سودابت للمستثمرين في هذا المجال هو *130 مليون دولار* وهي نفس التكلفة التي قدمتها الشركة للشركة السودانية للتوليد الحراري في العطاء الذى اعلنته لاستغلال الغاز في لتوليد الكهربائي.

2- ان اعلي تكلفة لانشاء محطة غازية بقدرة *405 ميقاوات* والتي اسفر عنها العطاء المذكور هو *290 مليون دولار.

* 3- أن المعدات الاساسية المستخدمة للمحطة في العطاء أعلاه هي من أنتاج الشركة الامريكية GE، ذات الشركة المذكورة في الخبر.

4- أن 170 مليون دولار قد تم توفيرها كتمويل ميسر من الصندوق الكويتي للتنمية لتنفيذ المحطة الغازية بالاضافة الى 100 مليون دولار اخري ممولة من الشركة الفائزة.

*يتضح من ذلك ان تكلفة مشروع الطاقة بالفولة تكلفته الاجمالية هي 420 مليون مقارنة ب 915 مليون دولار* و هي ذات عرض الشركة النرويجية، (M.

P.

S) سابقآ.

والتي اعيد تسجيلها في امريكا مؤخرا.

ان ما يثير الدهشة و الاستغراب أنهم سيقومون ببيع الكهرباء المنتجة بسعر 6 سنتات للكيلوات/ساعة (متر الكهرباء) مما يسفر عنه فاتورة شهرية تدفعها حكومة السودان الشركة لا تقل عن عشرين مليون دولار امريكى! أي ان حكومتنا ستقوم بدفع قيمة المحطة (الفرق بين السعرين أعلاه أكثر من الضعف) ثم تقوم بشراء الكهرباء بأكثر من ضعف سعر متر الكهرباء المنتج من الغاز حسب دراسات شركة التوليد وأسعار لشركات أخري قدمت عروض في حدود 2.

5 سنت !! لا أدري أي عقلية إقتصادية ستقبل بشروط تعاقد كهذه خاصة إذا علمنا أن سعر 6 سنتات لمتر الكهرباء سيجعل الشراكة تسترد مبلغ تمويل محطة الكهرباء بعد 17 شهراً فقط وكامل تكلفة المشروع (الكهرباء و الغاز معاً) بعد 24 شهراً.

ومن ثم فإن بقية سنوات العقد هي أرباح صافية لهذه الشركة بعد خصم تكلفة تمويل لمدة سنتان!!!! *لم ينتهي العرض بعد، فإن الشركة الامريكية لها 40% من أنتاج الغاز و عائد بيعه وبيع مشتقاته طيلة فترة العقد التي تمتد ل20 سنة.

* كل ما ذكرته اعلاه هو حديث عن الغاز المصاحب لانتاج البترول، ولكن الشروط أعلاه تمتد الي الغاز المستكشف في باطن الارض الذي لا توجد معلومات كافية عن مناطق وجوده ولا كمياته الحقيقية و هي معلومات قامت وزارة النفط منذ عهد النظام البائد واستمرت الي الآن بالتعتيم الشديد عليها.

ولكن المعلوم ان الغاز يوجد في مناطق الفولة والدندر والبحر الاحمر بكميات تجارية.

كما أن انتاج الكهرباء بسعر 2.

5 سنت سيجعل الدولة توفر مبلغ 600 مليون دولار من تكلفة انتاج الكهرباء من المحطة وليس 385 مليون كما ورد بالخبر، وهذا في مجال الكهرباء فقط.

ويمكن لمهندسي صناعة الغاز تقدير حساب الفوائد الاقتصادية لاستخدام الغاز عند التعاقد بشروط افضل.

يجدر القول إن الغاز هو مورد مهم للسودان وقد يكون أثرة علي الاقتصاد أكثر من أثر الذهب لأن توليد الكهرباء بالغاز أقل بسبع مرات من انواع التوليد الحراري الحالي، كما ان الغاز يمتاز عن الطاقة الشمسية بانه يستخدم في مزيج الكهرباء لتغذية الاحمال الاساسية في الشبكة اي أنه توليد لمدة 24 ساعة في اليوم كما أن استخدامه مع مصادر الطاقة الاخري الرخيصة سيجعل مزيج الطاقة السوداني صاحب أقل تكلفة انتاج لمتر الكهرباء في المنطقة، مما يؤدي الي تكلفة لمنتجاتنا الصناعية والزراعية تكون هي الارخص كذلك علي الاقل في المنطقتين العربية و الافريقية.

*ثانياً: من هي شركة MPS* ظهرت هذه الشركة بجنسية نرويجية في عهد وزير العهد البائد معتز موسي و قدمت نفس العرض الحالي و الذي رفضته لجنة فنية لان الشركة مبهمة و ليس لها حتي صفحة الكترونية، في ذلك الوقت، وليست في سيرتها مشروعات مشابهة وقد طلب منها تقديم حسابات ختامية مراجعة وذلك لثلاث سنوات ولم تقدمها.

ويبدو إنها شركة كونت من متقاعدي شركات بترول بغرض تنفيذ هذا المشروع بالتحديد كما وضح عندما إنشأوا لاحقاً موقعاً إلكترونياً للشركة.

في عهد الوزير م.

عادل علي ابراهيم وقعت ذات الشركة اتفاق شراكة مع شركة سودابت وبحضور السفير النرويجي لتنفيذ ذات المشروع مع العلم ان سودابت تعمل في مجالات النفط والغاز فقط وليس من مهامها اعمال التوليد الحراري بالاضافة الي ان الشركة فشلت مرة أخري في تقديم مشروعات مشابهة قامت بتنفيذها بالاضافة الى الحسابات المراجعة، وقد رفض مدير شركة التوليد السابق التوقيع علي الاتفاقية الاطارية وكانت سبباً لإقالته بواسطة الوزير انذاك.

ثم ظهرت الشركة مرة ثالثة، وهذه المرة بجنسية إمريكية، بعد أن تم تسجيلها في الولايات المتحدة وبشراكة جديدة مع شركة GE الامريكية ويبدو إنها بهذه الشراكة القوية بالاضافة الى دعم دبلوماسي امريكي قد تمكنت من الوصول الي مكتب رئيس الوزراء وبعد إقصاء وزير الطاقة عادل علي عن الصورة كما ظهر في المناوشات الإعلامية بينه و بين كبير مستشاري رئيس الوزراء.

ثالثاً: ملاجظات حول الأسلوب الذي تمت به إدارة هذا المشروع في هذا الوقت الذي يتم فيه الحديث غن رفع الدعم عن الكهرباء فإنه لا يتم التعامل بحكمة و شفافية مع أحد أهم الملفات التي تختص بموارد الطاقة عندنا و هو الغاز الطبيعي و الذي هو طاقة رخيصة و نظيفة و عند استخدامها بكفاءة فنية و إقتصادية سيؤدي ذلك الي قلب معادلة تكلفة الطاقة في السودان.

*لماذا لم يتم طرح هذا المشروع الإستراتيجي في عطاء عالمي؟* التعامل مع هذا الملف الحساس لأمن الطاقة السوداني بهذا الغموض و عدم الكشف عن تفاصيل و شروط مذكرة التفاهم حتي للجهات المختصة قد يفقد السودان عوائد مورد هام و السيطرة عليه بواسطة شركة مجهولة تم رفضها من الجهات الفنية أكثر من مرة.

*إن الصيغ المتبعة عالمياً لتمويل مشاريع الكهرباء هو الحصول علي تمويل لتكلفة توريد المعدات و الأعمال الإنشائية، أو أن يتم شراء الكهرباء من منتج مستقل دون دفع تمويل، أما في هذه الاتفاقية فإنه سيتم تمويل توريد المحطة ثم يتم بيع الكهرباء بواسطة أطراف الإتفاقية (سودابت وMPS) الي الحكومة.

* و الخاسر هو قطاع الكهرباء و الحكومة معاً، حيث سيتم شراء الكهرباء بسعر أعلي من ضعف السعر المستهدف و بالعملة الحرة، كما أن شركة MPS ستستحوذ علي 40% من العائد.

قانون الكهرباء في السودان الي الآن لا يسمح لشركة سودابت أو غيرها بإنتاج وبيع الكهرباء.

بما إن شركة سودابت هي الذراع التنفيذي لتنفيذ مشاريع البترول و الغاز للحكومة السودانية، فكان الأجدر ان تتولي إدارة الغاز في وزارة الطاقة و التعدين التفاوض في هذا المشروع.

أن مشروع محطة كهرباء الفولة قد تم توفير التمويل له كما تم ذكره أعلاه و تمت إجراءات فرز عطاءه.

أن مشروع استغلال غازمربع الفولة قد تم تصميمه بالكامل بواسطة سودابت و يحتاج فقط الي تمويل ب 130 مليون دولار.

الي الآن قانون الحظر الإقتصادي الامريكي علي السودان لا يسمح بتصدير التقنية في مجال البترول و الغاز الي السودان.

غير معروف ما هي علاقة تطوير المنظومة الصحية بمنطقة الفولة باتفاقية إستخدام الغاز و إنتاج الكهرباء كما ذكرت مديرة مكتب شركة GE الإقليمي في إحتفال التوقيع، هل هي في إطار المسئولية المجتمعية للشركة أو هي من بنود تمويل المشروع.

إن تصريح مديرة مكتب شركة GE في إحتفال التوقيع أن المحطة ستوفر الكهرباء ل 600 الف نسمة من سكان منطقة الفولة يؤدي الي الإعتقاد أن المحطة مخصصة للمنطقة فقط، في حين أن المحطة هي جزء من الخطة الطويلة المدي لقطاع الكهرباء و مخطط لتوصيلها بالشبكة القومية.

هل الشركة ستقوم حسب الإتفاقية بإنشاء شبكة التوزيع؟ إن مثل هذا التصريح قد يسبب توتراً بين الحكومة و سكان المنطقة.

حسب رؤية الجهات الفنية فإن شركة MPS غير مؤهلة لتنفيذ مشروع إستراتيجي بهذا الحجم و ينتطبق عليها توجيه وزارة الخارجية السودانية بعدم التعامل مع الشركات التي لاتستوفي شروط الاهلية الفنية و المالية.

لم يعرف الغرض من زيارة الرئيس التنفيذي لشركة MPS لشركة التوليد ، فإنه لم يتطرق لمشروع الفولة في إجتماعه مع مهندسيها، كما قام بمقابلة سكان المنطقة الذين ليس لديهم علاقة بأي تفاصيل فنية أو تفاوضية.

هل الشركتين MPS و GE سينفذان المشروع ككونسورتيوم أم تم توقيع إتفاقيتين منفصلتين؟ إن التصريحات الإعلامية يتم فيها التركيز علي أنتاج الكهرباء مع أن الاهم في الإتفاقية هو الغاز.

إن السودانين أبطال ثورة ديسمبر العظيمة ليسوا اقل عزماً من أشقاءنا الأثيوبيين، الذين جمعوا المليارات لبناء سد النهضة، ليحذوا حذوهم في جمع تكلفة مشروعنا الاكثر ربحاً و يكلف فقط 130 مليون دولار.

و رسالتنا الي الولايات المتحدة الامريكية إنها إذا أرادت أن تعزز صداقتها مع الشعب السوداني و تشاركنا في جني خيراتنا فعليها أن تأتينا من باب النزاهة و الشرف و ليس من باب السماسرة العالميين و الشركات التي تريد خوض غمار مغامرات البحث عن الثروة في القارة الأفريقية.

مهندس/ الوليد مصطفي مهندس سابق بالهيئة ان القومية للكهرباء 16 اكتوبر 2020                                      

السودان      |      المصدر: النيلين    (منذ: 3 سنوات | 27 قراءة)
.