نصاعة البيان فى التعليق على مقابلة البرهان: تحليل محتوى اللقاء التلفزيوني (2-2)

(1) خلصنا في الحلقة السابقة إلى أن الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي ومن خلال إفاداته يسعى لدور اكبر في مرحلة قادمة، وذلك بالرغم من حالة الزهد الذي أعلن عنه وسعيه إلى إنهاء المرحلة والوصول لخاتمتها، وتسليم الأمانة، ونضيف هنا إشارات إضافية: أولا : سعى البرهان( ويمكن القول ان المكون العسكري متضامن في ذلك) للمضي قدما في بعض الملفات وهي ملف السلام وملف خيار التطبيع مع تكلفته السياسية الراهنة، وتنسيقه مع د.

حمدوك، متجاوزا بذلك محاذير الحاضنة السياسية وتحفظاتها، بل ومعارضتها، مع ان معاش الناس ومعالجة القضايا الراهنة أولى من التقصي بعيدا.

.

ولكن معالجة البرهان تستهدف التعامل مع الجذر وهو بذلك يرتب للمستقبل، بينما تتعامل الحكومة التنفيذية مع (وحل) معاش الناس وتبعاتها اليومية، بل إن تصرفات الحكومة محل إنتقاد دائم من أطراف في السيادي.

.

وثانيا: الشروع فورا في رسم المشهد الجديد، فقد التقى يوم ٦ سبتمبر ٢٠٢٠م قوي البرنامج الوطني، وكان اللقاء بمكتبه بالقيادة العامة وامس الثلاثاء ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٠م التقى الفريق أول البرهان بمولانا محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الإتحادي الديمقراطي بالقاهرة، وتلك إشارات مهمة لم تكن متيسرة، وعلينا إعادة قراءة مذكرات بروف محمود لبات الوسيط الأفريقي حين أشار الي توافق الطرفين (المكون العسكري وقحت) على تقاسم المشهد بينهما وإزاحة بقية الأطراف.

.

فما الذي استجد الان؟ .

.

لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر.

وثالثا: إن تجربة قحت في الحكم أتسمت بالإضطراب، وهذه عبارة مخففة عن (الفشل الذريع)، مع غياب الأفق السياسي والحلول، وكون العقل الجمعي لقوى التغيير مشلول كليا ومفتت، ولن تجدي معه كل المحفزات، فقد أيد بعضهم التطبيع وعارض بعض وهكذا في مجال القضايا.

.

والتسريع بالمجلس التشريعي لا يعني توافقا لم يتوفر في المجلس المركزي، والرأي عندي أنه سيكون ساحة للتجاذبات والإستقطاب لا أكثر.

ورابعا: إن الحلفاء الجدد، ليس من مصلحتهم توفر مناخ سياسي تداولي للسلطة، ونقصد هنا إسرائيل نموذجا، فهي تدرك ان الضمير الشعبي العربي عموما والسوداني خصوصا لا يدعمها أو يساند خياراتها، ومن مصلحتها وجود قيادة ، دون اللجوء للخيار الشعبي أي (الإنتخابات) ولذلك فإن البيئة مهيأة للمضي قدما في مسار جديد، فهل يملك الفريق أول البرهان الأرضية لهذا الدور؟ (2) إن اول دعائم السلطة، وكما قال إبن خلدون (العصبة)، وسواء كانت قبيلة أو جماعة أو عسكر، ومع تغييرات الراهن العالمي، فإن خيار (العسكر) وحده ليس كافيا، فهل نشهد تشكل حزب جديد أو كيان إجتماعي جديد؟ أو الإكتفاء بحاضنة سياسية جديدة ومتنوعة ؟ ، هذا مربط الفرس الأول، إن إعتماد البرهان على أي مكون بطابع يساري أو نغمة شيوعية سيؤدي به للفشل، فإن أراد تأسيس تفكير جديد عليه إعادة البناء و(كفكفة) و(تحجيم) تلك القوى التي تنخر في بناء المجتمع وقيمه.

وثاني النقاط، هو المبدئية السياسية أو المعيار القيمي في المواقف، إن أنصاف الحلول والمحطات الرمادية لا تتسق والوجدان السوداني، فهذا ليس أمر سياسة بل (رجالة) وشهامة، ولذلك كان جيدا ان يثور الفريق أول البرهان دفاعا عن عرين الجيش، وليته فعل ذلك دفاعا عن قيم الدين وتوجهات وزير العدل ولجانه وقرارات لجنة القراي وطلاقة لجنة التمكين وهي تتسلط على صغار الموظفين ومنهم عمال بالفصل والتشريد، وعلى رجال أعمال بالتشهير والمصادرة دون حكم قضائي، وهذا البطء في الإنصاف حتى من خلال لجان الإستئناف والضغط عليها، بل هناك حديث عن جهاز أمني، إن الرضا وغض طرف عن مثل هذه المواقف خصم وليس إضافة، وبناء الصورة يتشكل بالتكرار والتنويع وليس ضربة واحدة.

وثالث الأمر، هو صناعة الصورة، والتأثير على الرأي العام من خلال مواقف ومن خلال منصات، إن هذا الأمر في غاية الدقة والحساسية، ومعلوم ان البرهان اضطر يوما لمغازلة الشباب والكنداكات، لإن أكثر ما يضايقه – في رأي- (التتريس)، وهذا رهين بتعاطف وتجاوب المواطن ، و للحقيقة فإن هذه اللجان لم تعد بذات التأثير السالب ولكن التحدي مدى إمكانية إستقطاب هذه الفئة في إتجاه الموجب؟ ، هذا يتطلب أدوارا مجتمعية وإعادة فاعلية شرائح مهمة، ومنها النقابات والإتحادات المهنية والوظيفية وإعادة التقدير للإدارة الأهلية والقيادات المجتمعية، والتى تم حصارها والضغط عليها في كثير من الولايات وآخرها النيل الأزرق والجزيرة وبالأمس قدم المزارعون مذكرة إحتجاج.

.

وهكذا تجد في كل ولاية مؤسسة ثلمة.

إن المصلحة العليا لبلادنا تقتضي وحدة الصفوف وترابط المجتمع وتعبئته، فقد بلغ سيل الإنحدار مداه، وقحت سادرة في غيها واوهامها وإنكارها.

.

والله المستعان.

د.

إبراهيم الصديق على                                      

السودان      |      المصدر: النيلين    (منذ: 3 سنوات | 14 قراءة)
.