إيران .. نجاد يكشف فضائح النظام على الملأ

يعد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، شخصية مثيرة للجدل في الداخل الإيراني، فما سبق أن تضاربت الروايات حول إسهامه في التخطيط لعملية اقتحام السفارة الأمريكية عقب انتصار الثورة الإسلامية، ووصوله بعد ربع قرن إلى قصر الرئاسة كسادس رئيس للجمهورية، لولايتين رئاسيتين متتاليتين، تتضارب اليوم بشأن إمكانات عودة الرجل إلى المشهد السياسي، من باب رئاسيات الربع الثاني من 2021، بعدما جرت مياه كثيرة تحت الجسر الرابط بين نجاد وبين المرشد الأعلى للثورة.

يحرص الرجل على الحضور الإعلامي لدى الإيرانيين، فلا يكاد الأسبوع ينقضي دون أن تتناقل وسائل الإعلام تصريحا أو خبرا عن محمود أحمدي نجاد، ما عده عديد من المراقبين بمنزلة تحضير واستعداد مبكرين للدورة 13 من الانتخابات الرئاسية، خاصة أن ظهوره في الأشهر الأخيرة طبعه خطاب حاد ولهجة شديدة، غير مألوفة في إيران على لسان ابن النظام، الذي شارك في الثورة، ووزع بيانات الإمام الخميني للتظاهر ضد الشاه، واستقبل ضمن الوفد الذي التقاه الخميني بعد الثورة، باسم اتحاد الطلبة المسلمين في الجامعة.

استغل أحمدي نجاد التصدع الحاصل داخل دواليب النظام الإيراني، فدخل غمار التنافس في الانتخابات الرئاسية لعام 2005، دون غطاء سياسي ولا تنظيمي، معلنا مواجهة مفتوحة مع باقي المرشحين، ممن يمثلون الأحزاب والمؤسسات الرسمية، مكنته من حصد التأييد الشعبي، إلى جانب اعتماده الأسلوب الشعبوي في السياسية ومواجهة الخصوم، حتى قيل بعد فوز نجاد بالرئاسة، "إن الخطاب الشعبوي "أحمدي نجاد" تفوق على خطاب الإقناع "هاشمي رفسنجاني".

لكن تجربته في الحكم لم تختلف عن سابقيه، إذ استمرت السياسة الإيرانية في نشر الفوضى والإرهاب في المنطقة، وقمع المعارضين داخليا، وأشهرها "الحركة الخضراء" أثناء احتجاجات انتشرت في المدن الإيرانية ضد ترشحه لفترة ثانية في عام 2009.

يسعى الرجل الآن إلى الترشح مجددا للانتخابات الرئاسية العام المقبل، متجاهلا التحذير غير المباشر له من قبل مجلس صيانة الدستور، عندما تحدث الناطق الرسمي باسم المجلس عن أنه "من الناحية القانونية، يمكن للأفراد تسجيل الأسماء للترشح في أي وقت، لكن نوصي بألا يقوم الأشخاص الذين جرى استبعادهم في الماضي بالتسجيل مجددا"، في إشارة إلى عدم قبول ترشحه للانتخابات 2017.

يدرك نجاد طبيعة المعركة التي تنتظره، لكن خطابه الشعبوي أدى إلى فضح النظام، وقد طال شخصيات سياسية ورجال دين من الصف الأول على رأسهم الراحل آية الله هاشمي رفسنجاني.

واستمر خطابه السياسي الشعبوي، على المنوال ذاته، في التعاطي مع القضايا العامة في الدولة، حتى بدا أقرب نحو المعارضة، فقد خاطب مرشد الثورة الإيراني بلغة غير مألوف صدورها عن رؤساء الجمهورية، كما تجرأ على الحديث في حوارات وتصريحات إلى وسائل إعلام "مناوئة" للنظام في طهران.

إمعانا في الشعبوية أو الشجاعة، بحسب أنصاره، اعتذر نجاد للإيرانيين الذين يعانون اقتصاديا، واعترف بالتقصير في الجانب الاقتصادي خلال فترة رئاسته، وتحدث عن جهات "تسعى إلى إيصال نسبة التضخم إلى 70 في المائة، وتحاول الإطاحة بحكومته"، وصرح أكثر من مرة، بتعثر البرنامج الاقتصادي لحكومته، لدرجة اتهم فيها مسؤولين كثيرين في حكومته بالتقصير وحملهم مسؤولية الإخفاق الاقتصادي، وشمل بالاتهام البنك المركزي ووزارة الاقتصاد والجمارك، قائلا: "إن هذه المؤسسات واقعة تحت تأثير المافيات الاقتصادية التي تحاول الالتفاف على قراراته وإجهاضها".

وتحدث عن أنه أكثر الرؤساء تعرضا للضغط في تاريخ إيران، في إشارة إلى الجفاء الذي لقيه من قبل المرشد "تمت مقاطعتي وأنا في الحكم.

.

في الواقع كنت أنا أكثر رئيس للجمهورية وللحكومة الإيرانية مورس عليه الضغط في التاريخ الإيراني.

.

كنت تحت الضغط".

بهذه التصريحات المتلاحقة التي تنفجر كألغام في وجه النظام، يضع الرجل رموز النظام موضع اتهام لدى فئات عريضة من الشعب.

لم يخف النظام على لسان ممثليه امتعاضهم من تحركات أحمدي نجاد، فقد اهتم أنصاره بقيادة كثير من الاحتجاجات في البلاد، من ضمنها المظاهرات التي اندلعت في مدينة مشهد، وانتقلت إلى مدن أخرى 2017، ما دفع محمد علي جعفري القيادي في الحرس الثوري الإيراني إلى الحديث عن "أن مسؤولا سابقا بدأ يتحدث عن معارضة النظام".

كانت شعارات نجاد أفضل وسيلة لمحاربته من قبل النظام، فحكومته "الأكثر نزاهة ونظافة" متهمة بالضلوع في عمليات فساد كبيرة، وصل عدد ملفاتها إلى 4500 ملف اختلاس مالي، وفقا لتقرير مجلس الشورى، من أهمها قضية الفساد البنكي الكبير التي اختلست فيها 2.

6 مليار دولار من سبع مؤسسات مالية إيرانية، قضية ما كان لحريقها أن يخمد لولا تدخل خامنئي شخصيا، لوقف الجدل بشأنها، لأن "البعض يريد الاستفادة من هذه الأحداث لتشويه سمعة مسؤولي البلاد".

واضح أن معركة تكسير العظام بين النظام وتيار نجاد ستستمر حتى موعد الانتخابات المقبلة، فلدى الرجل تيار في إيران يحظى بدعم وتأييد رجال الدين، أخذ أبعادا جديدة، بعدما كشفت نتائج الانتخابات الأخيرة، شباط (فبراير) 2020، التي سجلت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الجمهورية، أن أسماء محسوبة على هذا التيار، بلغ عددها 14 نائبا فازت في محافظات أخرى غير طهران الذي هندسها المحافظون على مقاس ممثليهم.

قرأ المتابعون تحذيرات رؤساء سابقين للنظام من أحمدي نجاد من باب المزايدة السياسية، حيث سبق لرفسنجاني أن تنبأ لنجاد بمصير يشبه مصير أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية، فيما تحدث خاتمي عن احتمال مواجهة بين الرجل وبين قيادة الثورة.

وهذا ما دشنه نجاد في الأشهر الأخيرة، حين طالب خامنئي في رسالة نشرت في موقع يمثل تيار نجاد، باتخاذ إجراءات عملية بدلا عن الكلام، نظرا إلى صلاحياته الواسعة، على رأسها إجراء تعديلات دستورية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة، دون تدخل للأجهزة العسكرية.

وبلغ الأمر بنجاد، في أحدث تصريح تلفزيوني له أن هدد النظام بشكل صريح بقوله، "لقد كنت وما زلت أصر على مواصلة سكوتي لأجل مصلحة الدولة في مواجهة أفعال لا أخلاقية وتعادي الشعب على مدى 12 عاما الماضية، لكني أشعر اليوم بأنني ملزم بأن أكشف ما يتوارى خلف ستار هذه الخطة المشؤومة، وأن أفضح هذه الأعمال البغيضة على الملأ".

هكذا تكلم نجاد، الذي أمضى عقدا وعامين في رئاسة جمهورية المرشد، ما يفيد بأن ما قيل ويقال عن هذا النظام من كوارث وآفات وفساد في الأرض وفقر وظلم للشعب وحرمان حقيقة قطعية، لا مجرد مزايدات بأقلام مأجورة في منابر إعلامية تعادي نظام المرشد و"خيار الممانعة".

قد لا يعود نجاد إلى سدة الحكم مجددا، لأن دخوله إلى السباق الرئاسي سيرافقه كشف عن الأسرار والخبايا، ولم يكن معلوما ما يمكن أن يقوله في مناظراته الانتخابية، لكن أنصاره يتزايدون في الداخل الإيراني، حيث يقدم نفسه ناطقا باسم الفئات المحرومة وجمهور المستضعفين من الشعب، ما يوحي بأن الشعبوية قد تكون مصدر قلق وتهديد للنظام في المقبل من الأعوام.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 3 سنوات | 14 قراءة)
.