ذكاء الآلة واقتصادات المعرفة

تزايد الحديث والاهتمام، اليوم، عن مرحلة ما بعد انتشار فيروس كورونا، التي تبين بشكل واسع حاجة الإنسان إلى دعم الآلة، والتوسع، وابتكارات التقنية، بشكل أكبر من ذي قبل، ونلاحظ، أن العالم كان قد تحرك نحو الذكاء الاصطناعي بشكل لم يسبق للبشرية أن شهدته.

وكانت نتائج قمة مجموعة الدول العشرين في اليابان، واضحة الاتجاه نحو دعم هذا التوجه العالمي، لكن لم تكن الصورة واضحة لجموع البشر، إلا من خلال ما أحدثه فيروس كورونا من تداعيات وتغييرات، فالإنتاج والنمو الاقتصادي اليوم، لم يعد مرهونا بالحالة الصحية للمجتمع.

هنا تبدو الصورة أكثر جلاء، فالمصانع يجب أن تظل تعمل وتدور وتستمر في نقل المواد الخام من المحاجر إلى مناطق التصنيع، وكذلك إدارة البنى التحية في المستشفيات والمدارس والجامعات.

كل ذلك يجب أن يستمر في العمل دون أي تعطل حتى لو تعرض المجتمع لجائحة مثل كورونا في المستقبل - لا سمح الله.

وهذا التحول الكبير في علاقة الإنسان بالآلة يحكمه التطور السريع للذكاء الاصطناعي، ومن خلاله يمكن للآلة بمختلف أنواعها وقطاعاتها، أن تعمل منعزلة عن الإنسان، وصحته، وحالته الذهنية.

لكن الذكاء الاصطناعي بكل الزخم، الذي أصبح يحمله اليوم لخدمة البشرية والإنسانية، والاهتمام الذي يشهده، والقبول الذي يملكه عند المجتمعات، بحاجة إلى منصة عالمية موحدة، ومركز اتصال، وهنا تظهر الرياض اليوم وبقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بيئة مؤهلة لهذا التحرك التقني، أكدها في خطابه بالأمس خلال أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي "الذكاء الاصطناعي لخير البشرية"، وألقاه نيابة عنه الدكتور عبدالله بن شرف الغامدي رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا".

"مرحبا بكم من مدينة الرياض، حيث نسعى إلى أن نصبح ملتقى رئيسا للعالم .

.

للشرق والغرب .

.

نحتضن الذكاء الاصطناعي، ونسخر قدراته معا، ونطلق إمكاناته لخير الإنسانية جميعا".

بهذه العبارات المقتبسة نصا من خطاب ولي العهد، يظهر مستقبل الرياض للعالم كحاضنة للذكاء الاصطناعي، حاضنة أعمال وأفكار ومنتجات، ولهذا فإنه من الطبيعي جدا، وقد أصبحت الرياض بهذه المكانة العالمية للبشرية في عبورها إلى مرحلة ما بعد كورونا، أن يدعو ولي العهد "كل الحالمين والمبدعين والمستثمرين وقادة الرأي والفكر والعلماء والباحثين في مجال التقنية للانضمام لنا هنا في السعودية، لنحقق معا هذا الطموح، ونبني نموذجا رائدا لإطلاق قيمة البيانات والذكاء الاصطناعي لبناء اقتصادات المعرفة والارتقاء بأجيالنا الحاضرة والقادمة".

إن قطاع الذكاء الاصطناعي المنشود، ليس بناء مكان لكل آلة تعمل بمعزل عن البشر، بل هو صناعتها ابتداء، والفرق هنا كبير، فالمملكة لا تهدف أن تكون متحفا ومجرد سوق رائجة لهذه الآلات الذكية، بل حاضنة للفكر الذي يصنع هذه الآلات ويصنع ذكاء الآلة، ولهذا فإن الدعوة واضحة من ولي العهد، لكل من يفكر في هذه الطريقة.

ومن هنا، يدرك ولي العهد مخاطر الفجوة الرقمية بين دول العالم المتقدم والنامي، ولأن السعودية تريد أن تكون حاضنة لكل المبدعين والأفكار الإبداعية، فيجب أن نأخذ بزمام المبادرة لمعالجة هذه التحديات وتقليص الفجوة.

فالمملكة أساسا هي محل ثقة لدول العالم كافة، وإذا كانت التطورات في صناعة ذكاء الآلة وابتكارها وإبداعها تبدأ من الرياض، فإن العالم سيكون على ثقة بأنها ستعمل لخير البشرية واستدامتها وخدمتها، وهذا سيخفف من شكل الصراع التجاري العالمي في هذه التقنيات، فالرياض محل أنظار العالم، وأرض التواصل والتشارك والتضامن العالمي المبني على الثقة.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 4 سنوات | 15 قراءة)
.