كوفيد - 19 .. ما الخطأ الذي حدث في ووهان؟

قبل ثلاثة أسابيع من اعتراف إدارة الرئيس تشي جينبينج علنا بانتشار مرض تنفسي جديد قاتل في واحدة من أكبر مدن الصين، أدرك الأطباء في مستشفى ووهان المركزي أن لديهم مشكلة.

في الساعة الثانية ظهرا يوم التاسع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر)، تلقى يين وي، وهو طبيب في قسم الصحة العامة في المستشفى، مكالمة من أحد زملائه يفيد بأن أربعة مرضى ظهرت عليهم أعراض الالتهاب الرئوي الفيروسي.

أضاف زميل الدكتور يين أن المرضى الأربعة جاؤوا من سوق المأكولات البحرية المحلية.

وفقا لتقرير داخلي أعده لاحقا الدكتور يين واطلعت عليه "فاينانشيال تايمز"، تم على الفور إخطار مسؤول الصحة في حكومة المقاطعة المحلية، وانج وينيونج.

لم يفاجأ وانج بمكالمة الدكتور يين.

كتب الدكتور يين: "رد وانج بأنه تلقى تقارير مماثلة من مستشفيات أخرى، ولم يتمكن ’مركز ووهان للسيطرة على الأمراض والوقاية منها‘ من تحديد سبب المرض بعد إجراء اختبارات متعددة".

وأضاف وانج أنه سيرد علي بعد إبلاغ رئيسه بحالة مستشفانا.

في الرابعة مساء، تم اكتشاف ثلاث حالات أخرى من الالتهاب الرئوي الفيروسي في مستشفى ووهان المركزي.

في الساعة الثامنة مساء، جاء مسؤولو مركز السيطرة على الأمراض في المنطقة إلى المستشفى لجمع عينات المرضى، وبعد ذلك طلبوا من الدكتور يين وزملائه الانتظار.

بعد يومين، في 31 كانون الأول (ديسمبر)، كانوا لا يزالون ينتظرون.

لذلك اتصل الدكتور يين بأحد رؤساء وانج في مركز السيطرة على الأمراض في المنطقة للاستفسار عن نتائج الاختبار.

كتب الدكتور يين: "طلب مني انتظار إشعار آخر".

في الثالث من كانون الثاني (يناير)، حاول الدكتور يين مرة أخرى، وسأل وانج عما إذا كان يجب على مستشفى ووهان المركزي أن يملأ على الأقل بطاقة تقرير عن الأمراض المعدية IDRC، وهو نظام إبلاغ عبر الإنترنت تتشاركه سلطات الرعاية الصحية المحلية والوطنية.

مرة أخرى، تم رفضه.

يتذكر الدكتور يين في تقريره: "رد وانج أننا يجب أن ننتظر إشعارا آخر من السلطات العليا قبل الإبلاغ عن مرض معد خاص مثل هذا".

فقط حتى الرابع من كانون الثاني (يناير)، أي بعد سبعة أيام من محاولة الدكتور يين وزملاؤه تنبيه مسؤولي المدينة، سمح لهم أخيرا بملء بطاقات تقرير IDRC لجميع الحالات المشتبه فيها للالتهاب الرئوي الفيروسي غير المعروف.

قال وانج، المسؤول الذي ذكره الدكتور يين مرارا وتكرارا، إن "مستشفى ووهان المركزي كان يتطلع إلى إلقاء اللوم علي في التقرير".

قال لـ"فاينانشيال تايمز": "لم أرتكب أي خطأ"، مضيفا أن كل شخص في النظام كان ببساطة يتبع الأوامر.

"لم يتبع مستشفى ووهان المركزي المعايير التي وضعتها لجان الصحة في المدينة والمقاطعات.

نعم كنا حذرين في الإبلاغ عن الحالات في وقت مبكر.

لكن هذا كان قرارا جماعيا، وليس قراري".

أحال مستشفى ووهان المركزي طلبات لـ"فاينانشيال تايمز" لإجراء مقابلات مع مديري وأطباء المستشفى إلى حكومة البلدية التي لم ترد.

في الوقت الذي كان فيه الطاقم الطبي في المستشفى يحاول معرفة ما كان عليه ولم يسمح له بالإبلاغ إلى المسولين في مستويات أعلى، كان مسؤولو الحكومة المركزية من بكين قد وصلوا إلى نقطة الصفر في ووهان.

وصل وفد من المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها لأول مرة في 31 كانون الأول (ديسمبر)، وفقا للتسلسل الزمني الرسمي للحكومة الصينية لجهودها في مكافحة الفيروس.

قال أحد الأكاديميين الذين يقدمون المشورة لمسؤولي الصحة في الحكومة المركزية إنهم ناقشوا في الأيام القليلة الأولى من العام الجديد ما إذا كان ينبغي إجراء إحاطات عامة يومية.

لكن المسؤولين في بكين لم يفعلوا ذلك حتى 22 كانون الثاني (يناير)، ويرجع ذلك جزئيا إلى الوضع الفوضوي في ووهان.

قال المستشار الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "المعلومات من ووهان لم تكن واضحة.

كان هناك الكثير من الشائعات وكان موقف المسؤولين المحليين يفرض أن نقول القليل، أو إذا كان ذلك ممكنا، ألا نقول شيئا.

لقد كانت فوضى".

قالت منظمة الصحة العالمية إنها سألت مسؤولي الحكومة الصينية عن تفشي ووهان في أول كانون الثاني (يناير) وتلقت رد بكين بعد يومين، في الثالث من كانون الثاني (يناير).

وأقر مسؤولو الحزب الشيوعي أيضا أن تشي أعطى أوامر بشأن تطور الوضع في ووهان في اجتماع في السابع من كانون الثاني (يناير) لأعلى هيئة للمكتب السياسي، اللجنة الدائمة للمكتب السياسي المكونة من سبعة رجال.

وفقا لمجلة حزبية بارزة، أصدر الرئيس تعليماته للمسؤولين بالبحث عن مصدر الفيروس و"تأكيد آلية انتقاله في أقرب وقت ممكن".

شخص آخر يقدم المشورة لمجلس الدولة بشأن مسائل الصحة العامة ذكر أن المشكلة أعمق من الموقف الضبابي على الأرض في ووهان.

قال لـ"فاينانشيال تايمز"، بشرط عدم الكشف عن هويته: "الحكومة الصينية، خاصة على المستويات المحلية، تفتقر إلى القدرة على التواصل بشكل فعال مع الجمهور في حالات الأزمات.

الوظيفة الرئيسية لإدارات الدعاية هي إبقاء الحزب الشيوعي في السلطة، وليس تعزيز الشفافية.

كشف الوباء عن نقاط ضعف النظام".

الارتباك بين الأطباء في مستشفى ووهان المركزي حول المعلومات التي من المفترض أن يبلغوا بها السلطات، زاد بشكل مطرد خلال الأسبوعين الأولين من كانون الثاني (يناير).

تلقوا نصائح متنوعة من قبل مسؤولي الصحة في البلديات والمقاطعات بـ"توخي الحذر" و"كونوا حذرين" قبل الإبلاغ عن أي حالات جديدة، وفقا لتقرير الدكتور يين.

في 13 كانون الثاني (يناير)، التعليمات المتناقضة من فرع وزارة الصحة في ووهان ومركز السيطرة على الأمراض التابع للبلدية تسببت في تعكير مزاج الدكتور يين.

كتب: "عزيزي المدير وانج.

لدينا حالة تتعلق بالإبلاغ عن الحالات المشتبه فيها.

قالت وزارة الصحة إنه ينبغي أن نطلب من مركز السيطرة على الأمراض جمع العينات وإجراء التحقيقات، لكن مركز السيطرة على الأمراض قال إنهم بحاجة إلى انتظار التعليمات من وزارة الصحة.

وقد منعنا من الاختبار والتحقيق مع مريض مشتبه به.

ليست لدينا أي فكرة كيف اختلت الأمور.

هل يمكنك مساعدتنا في اكتشاف المشكلة؟".

لكن في غضون أيام كان المرضى الذين سقطوا من خلال الثغرات في نظام الإبلاغ أقل مشكلات مستشفى ووهان.

بدأ موظفو المستشفى يمرضون ودخل 56 موظفا على الأقل المستشفى بحلول 24 كانون الثاني (يناير).

تفشي المرض بين طاقم المستشفى هو علامة مأساوية لكنها تنبئ بأن المرض يمكن أن ينتقل بين البشر.

من بين أطباء مستشفى ووهان الذين كانوا يحتضرون في عنابرهم كان لي وين ليانج، طبيب عيون يبلغ من العمر 33 عاما وواحد من بضعة أفراد من الطاقم الطبي الذين تم توبيخهم من قبل الشرطة في الثالث من كانون الثاني (يناير) بزعم "نشر شائعات" حول الفيروس الغامض آنذاك، على الرغم من أن كل ما فعلوه هو مناقشة الأمر فيما بينهم في مجموعة دردشة خاصة.

وفاة لي في أوائل شباط (فبراير) أثارت عاصفة من الغضب العام، على الرغم من أنها كانت موجهة إلى حد كبير ضد الحكومة المحلية بدلا من الحكومة المركزية في بكين.

مع انتشار الارتباك بشكل واسع في جميع أنحاء الصين خلال معظم كانون الثاني (يناير)، فإن أحد أكبر الألغاز حول المراحل الأولى للوباء هو سبب عدم ظهور مجموعات بحجم ووهان في جميع أنحاء البلاد.

وفقا لبيانات الرحلات الجوية الصينية التي نقلتها وسائل الإعلام الحكومية، بين 30 كانون الأول (ديسمبر) و22 كانون الثاني (يناير)، سافر أكثر من 465 ألف شخص من ووهان إلى عشر وجهات محلية مشهورة، من بكين في الشمال إلى مدينة المنتجع سانيا في الجنوب.

في الوقت نفسه، أدت التدفقات الأقل بكثير من الناس من ووهان إلى وجهات دولية إلى بذور الكارثة العالمية التي لا تزال تتكشف حتى الآن.

تكمن الإجابة في الردود المختلفة إلى حد كبير من قبل الحكومات في الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والولايات المتحدة.

كانت أرقام العدوى الصينية الحقيقية أعلى بكثير مما تم الإبلاغ عنه رسميا، لكن لم يتم تسجيلها لأن جميع السكان تقريبا أجبروا على الإغلاق الصارم من أواخر كانون الثاني (يناير) حتى منتصف شباط (فبراير).

قال الدكتور ديل فيشر، إخصائي الأمراض المعدية في مستشفى جامعة سنغافورة الوطنية: "أصيبت كل مقاطعة في الصين بالعدوى في غضون شهر من تفشي ووهان واستقر عدد حالاتهم الرسمية عموما في أرقام من ثلاث خانات لأن عمليات الإغلاق كانت قاسية.

لم يتم إجراء التشخيص لأن الجميع كانوا يقيمون في المنزل.

من المحتمل أن الأشخاص الذين يعانون حالات خفيفة قد ينقلونها إلى شخصين في عائلتهم ممن أصيبوا أيضا بحالات خفيفة والفيروس أحرق نفسه.

وفي غضون ثلاثة إلى أربعة أسابيع تمكنوا من فتح الأشياء".

أضاف: "كنت في الصين في منتصف شباط (فبراير) وتمكنت من رؤية مدى الاستجابة.

عمليات إغلاق لا تصدق.

القطارات لا تتحرك، والطائرات كلها مغطاة بأغطية على محركاتها، والسماء الزرقاء (التي في الأغلب ما تكون ملوثة) صافية تماما في بكين.

لقد انتشر بالتأكيد في جميع أنحاء الصين، لكنهم قطعا أغلقوه".

في الوقت نفسه، استخدمت بلدان ومناطق أخرى في شرق آسيا - أبرزها كوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج وسنغافورة - مزيجا أكثر مرونة من حظر الزائرين وتتبع المخالطين وحالات الإغلاق الأقل صرامة من الصين لاحتواء انتشار الفيروس في المجتمع بشكل فعال.

لكن بالنسبة للبلدان التي كانت سريعة في إصدار حظر السفر بينما لم تفعل شيئا آخر بطريقة منسقة على مستوى البلاد، مثل الولايات المتحدة، فقد فات الأوان.

كان الدكتور فيشر يتحدث إلى لـ"فاينانشيال تايمز" عبر الهاتف من سنغافورة في صباح يوم 28 آب (أغسطس).

وأثناء ذلك، كان يشاهد أيضا بثا تلفزيونيا مباشرا لليلة الأخيرة من المؤتمر الوطني الجمهوري الأمريكي.

أثناء الرد على أسئلة لـ"فاينانشيال تايمز"، كان من حين إلى آخر يعبر عن دهشته من المشهد في واشنطن.

صرخ في وقت ما: "هناك ابنة دونالد ترمب تخاطب الجميع وهي لا ترتدي كمامة! ولا أي شخص آخر.

بل هم حتى لم يتباعدوا عند الجلوس على المقاعد!".

كان رأي الدكتور فيشر هو أن "أسبوعين آخرين" من الإخطار المسبق بشأن الوباء لم يكن ليساعد كثيرا من البلدان.

أشار إلى أنه على الرغم من تأكيد إمكانية انتقال الفيروس من شخص إلى آخر في 20 كانون الثاني (يناير)، "ليس الأمر كما لو أن الجميع قفزوا واندفعوا إلى ما ينبغي عمله".

قال الدكتور فيشر: "احترمت معظم بلدان آسيا هذا الأمر حقا، وكانت لديها أنظمة جاهزة للعمل، وقمت بالكثير من العمل في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) استعدادا لليوم الذي (.

.

.

) ستتحطم فيه الأشياء".

أضاف: "لسوء الحظ كان معظم بقية العالم بحاجة إلى التحطيم كي يحصل له ذلك الإدراك.

كما قلنا في تقرير وفد منظمة الصحة العالمية في الصين عن شباط (فبراير)، يمكن أن يكون لهذا الفيروس آثار صحية واجتماعية واقتصادية مدمرة، لكن العالم ليس مستعدا، من حيث القدرة أو العقلية، للتعامل معه".

قال البروفيسور وانج لينفا، أحد أبرز الثقات في العالم في مجال الأمراض التي تنقلها الخفافيش، إنه على الرغم من جميع أوجه القصور في النظام الصيني في الأيام والأسابيع الأولى من تفشي المرض، كان ينبغي أن يكون بقية العالم في حالة تأهب قصوى.

بمجرد تأكيد انتقال العدوى من إنسان إلى آخر ودخول ووهان في الحجر الصحي بعد بضعة أيام، كان من الممكن أن تستعد البلدان لوصوله بشكل فعال كما فعلت تايوان وكوريا الجنوبية، من بين بلدان أخرى.

وقال البروفيسور وانج: "بالنسبة للبلدان الأخرى التي لم تأخذ الفيروس على محمل الجد، بالتأكيد ليس هناك أي عذر".

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 3 سنوات | 20 قراءة)
.