مرونة مالية واستثمارات آمنة 

  تسببت التحديات الاقتصادية، التي واجهت دول العالم كافة، ومن بينها السعودية، في دخولها الانكماش، وكثير من القطاعات الاقتصادية قد دخلت نطاق الكساد رسميا، من بينها قطاعا السياحة والطيران.

وتأثرت قطاعات أخرى، منها قطاع النفط، وعلى أثره حدث تراجع حاد في الأسعار مع وفرة الإنتاج، إلى جانب تفاقم الدين العام العالمي، الذي سيبلغ هذا العام مستوى تاريخيا غير مسبوق يساوي 101.

5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وأشارت تقارير دولية مختلفة إلى أن مسألة الدين العام مشكلة عميقة الآن، فالتوقف عن الاستدانة بحكم ظروف الاقتصاد العالمي، قد يتسبب في تفاقم المشكلات الاقتصادية، فكثير من القطاعات والدول اليوم بحاجة ماسة إلى الدعم، وتركها في هذه الظروف دون دعم قد يتسبب في تعميق الكساد، كما حصل في أزمة الكساد العالمية عام 1929.

ولتجنب ذلك، لا بد من ضمان تدفق السيولة إلى الأسواق، فالمعادلة صعبة، لأن على الحكومات تحفيز اقتصاداتها المتضررة من الأزمة الصحية بشكل مستدام دون أن تخرج ديونها عن السيطرة.

في هذه الظروف الاقتصادية الحرجة جدا، فإن الصناديق الاستثمارية تصبح في وضع مرتبك، فهي إن توسعت في الإقراض قد تتحمل مخاطر كبيرة وتعرض أموال المودعين للتآكل، وإن هي أحجمت عن الاقتراض بدواعي هذه التحفظات، فإنها قد تربك المشهد الاقتصادي العالمي وتدفع بالدول والقطاعات نحو الكساد، وهو ما يعود بالضرر عليها في نهاية المسار.

في مثل هذه الظروف أيضا، فإن مؤسسات الإقراض تكون معتمدة في قراراتها على ما تقره مؤسسات التصنيف العالمية، التي ستكون شديدة التحفظ في تصنيفاتها على غير المتبع عادة، ومن المتوقع أن قضايا الصحة والرعاية الصحية وآليات مواجهة المرض، وآليات تحفيز الاقتصاد، وكيف تتم إدارة الميزانية العامة للدولة، قد تصبح لها أولوية عند مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية.

وفي هذه الظروف الصعبة، فإن نجاح أي حكومة في المحافظة على مستويات مرتفعة في التصنيف العالمي، يعد إنجازا اقتصاديا لا شك فيه، فهي تضع هذا الاقتصاد في مصاف الاقتصادات الآمنة، ما يمكن الحكومة من تمويل مشاريع التنمية في الميزانية العامة إلى جانب الرفع من مستوى مأمونية القطاع المصرفي.

وفي هذا السياق، فإن تثبيت وكالة ستاندرد آند بورز، التصنيف الائتماني للسعودية عند A-/A-2، مع نظرة مستقبلية مستقرة، يؤكد ما يتمتع به الاقتصاد السعودي من قوة ومتانة، فقد أشارت الوكالة بوضوح وبصراحة إلى القدرات المالية الضخمة للسعودية، وقدرة الاقتصاد على تجاوز التحديات الحالية وتحقيق انتعاش سريع، مع تحسن الظروف الاقتصادية العالمية ابتداء من 2021.

كما أشار التقرير إلى أن السعودية، الدولة الوحيدة في العالم، التي تحتفظ بقدرة فائضة على تصدير النفط، ولديها مرونة كبيرة جدا تمكنها من زيادة أو خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يوميا في غضون هذه المرونة الإنتاجية، يصاحبها مرونة مالية لا تتوافر لمعظم منتجي النفط الكبار الآخرين.

وهذا يدل على أن التخطيط الاقتصادي نحو تحرير الاقتصاد السعودي من صدمات النفط، يؤتي ثماره سريعا، بل أسرع مما هو مخطط.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تقريرا دوليا سابقا كان قد حذر الاقتصاد السعودي من تراجع أسعار النفط نحو أقل من 40 دولارا، وكان هذا التقرير في وقت الأسعار تحلق فوق 65 دولارا.

وأكد تقرير "الاقتصادية" في ذلك الوقت، أن الاقتصاد السعودي يملك مرونة كبيرة، خاصة بعد تطبيق برامج رؤية المملكة 2030، وهو قادر على التأقلم مع أي تطورات في السوق النفطية، ولم يعد ذلك الاقتصاد الذي يتهدد مركزه الائتماني تراجع الأسعار أو تذبذبها.

وأكد تقرير مؤسسة التصنيف، أن الاقتصاد السعودي استجاب بفاعلية كبيرة لتراجع الأسعار، واستطاع أن يحافظ على قوته وجدارته وتصنيفه الائتماني، رغم الانكماش الاقتصادي الناتج عن تداعيات فيروس كورونا.

إن هذه القوة الاقتصادية، التي أشار إليها تقرير الوكالة الدولية، تستند إلى أن صافي مركز الأصول الخارجية يمثل 133 في المائة من مدفوعات الحساب الجاري بين 2020 و2023، ويمثل أكثر من 21 شهرا من مدفوعات الحساب الجاري، كما أن الاحتياطيات بالعملات الأجنبية تغطي 17 شهرا من مدفوعات الحساب الجاري بين 2020 و2023، والقطاع المصرفي السعودي يتمتع برسملة جيدة تمكنه من تمويل الأعمال التجارية.

ومن المتوقع أن يحقق الاقتصاد السعودي نموا في الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط 2.

4 في المائة خلال الفترة من 2021 إلى 2023، وذلك على افتراض سعر خام برنت عند 40 دولارا للبرميل.

هذه المعطيات الاقتصادية كلها تبشر باقتصاد مزدهر، ما يجعل السعودية ملاذا آمنا لاستثمار أجنبي في الاقتصاد السعودي.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 4 سنوات | 10 قراءة)
.