الأمان المالي والاستقرار الاقتصادي

اتخذت الحكومة السعودية خلال الأشهر الماضية إجراءات احترازية صحية صارمة جدا، ظهرت مع تعليق الحضور إلى مقار العمل وإغلاق جزئي للقطاع الخاص والأعمال التجارية والمحال الأخرى، وهذا كان له تأثير في قدرة كثير من مؤسسات القطاع الخاص على الاستمرار ما استدعى القيام بإجراءات دعم قوية خاصة لبند الرواتب لضمان المحافظة على قوة العمل السعودية، والنجاحات التي تحققت في مجال التوطين، كما تم دعم القطاع الصحي بنحو 50 مليار ريال لمواجهة التداعيات الصحية لانتشار المرض، كما صاحب هذه التطورات تداعيات مماثلة على الاقتصاد العالمي التي أثرت بنحو واسع في أسواق النفط، والأسواق المالية بما لم يسبق أن تم تسجيله منذ فترة الكساد العالمي، وكل هذا له آثار اقتصادية قوية في المالية العامة ما استدعى صدور عدد من القرارات الاقتصادية مثل رفع نسبة الضريبة، وأيضا الاقتراض لتغطية العجز الذي تفاقم نتيجة ارتفاع حجم المصروفات وتناقص الإيرادات.

واليوم تعود الحكومة السعودية إلى فتح تدريجي للاقتصاد والأعمال التجارية، بخطة متدرجة أعلن عنها قبل عدة أيام، وفي هذا قد تنشأ الأسئلة عن أسباب العودة التدريجية وهل السبب تأثر الاقتصاد بشدة استدعت تخفيف الاحترازات الصحية، هنا ليس لمجتهد نصيب، بل يقطع بالقول التصريح الذي قدمة وزير الاقتصاد والتخطيط المكلف، أن الحكومة مستمرة في تمويل المشاريع التنموية من خلال الميزانية العامة للدولة مع تركيز الاهتمام نحو الاستمرار في رفع كفاءة الإنفاق وتعظيم العائدين الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك إتاحة فرص متزايدة أمام القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية، في إطار تعزيز دور ومشاركة القطاع الخاص الذي تسانده الدولة لعبور المرحلة الحالية التي شهدت تأثرا بفترة الإيقاف المؤقت في كثير من الأنشطة الاقتصادية، ولتجاوز الآثار السلبية المرتبطة بأزمة الوباء العالمي.

إذا فمن الواضح جدا أن الاقتصاد يمضي في طريقه المرسوم له، وأن الحكومة ماضية في مشاريعها المخصصة لهذا العام.

وفي تصريح الوزير نلاحظ الإشارة إلى تعزيز القدرة الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، حيث جرى تحويل 150 مليار ريال "نحو 40 مليار دولار" من الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي إلى صندوق الاستثمارات العامة ما يشير أيضا إلى أن المملكة ماضية قدما في اقتناص الفرص الاستثمارية العالمية التي ستكون متاحة الآن بشكل قد لا يتكرر أبدا، وهو ما أكده تصريح الوزير من أن هذا الإجراء سينعكس على تعظيم العائد على أصول الدولة والأداء الاقتصادي والمالية العامة وأن عوائد الأنشطة الاستثمارية التي يحققها الصندوق هي لدعم المالية العامة عند الحاجة.

وهذا الوضع يدل بشكل واضح على متانة وحجم الاحتياطيات الأجنبية المتاحة وأنه لا تأثير مهما للجائحة فيها، وفي هذا المسار صرحت مؤسسة النقد العربي السعودي أن الحساب الجاري السعودي قد سجل فائضا خلال 2019 بنحو 186.

9 مليار ريال، وعلى الرغم من تراجع حجم الصادرات المتوقع خلال النصف الأول من هذا العام إلا أن الواردات قد تراجعت أيضا نظرا لتعليق العمل في جميع الاقتصادات العالمية ما يحافظ على النسبة بين الصادرات والواردات عند مستواها المعتاد، وهذا ما صرح به وزير المالية بشكل واضح من أن تدفقات النقد الأجنبي منذ بداية العام الحالي عند حدودها التاريخية.

كما يؤكد تقرير مؤسسة النقد بأن الوضع المالي الكلي للسعودية مستقر تماما وإيجابي، والاحتياطي العام للحكومة في مستوى عال، مع تدني نسبة الدين إلى الناتج المحلي مقارنة بدول مجموعة العشرين الأخرى، كما أن القطاع المصرفي، شهد نموا ملحوظا في 2019، وتحسنت مستويات السيولة بسبب ارتفاع رأس المال الأجنبي نتيجة انضمام السوق المالية السعودية لعدد من مؤشرات الأسواق الناشئة العالمية.

كل هذه التقارير والتصريحات تدل بشكل لا لبس فيها أن تخفيف الإجراءات لم يكن بسبب الاقتصاد أو أن له علاقة بذلك، بل لأن هناك مؤشرات صحية تبشر بخير، ولذلك جاء تصريح وزير المالية السعودية واضحا جدا بأن على جميع المنشآت والأفراد الالتزام بالإرشادات الصحية المصاحبة لمختلف المراحل الزمنية لخطة إعادة حركة الأنشطة الاقتصادية، وأن هناك فرقا تعمل على تقييم دوري وشامل للأبعاد الصحية والاجتماعية والاقتصادية لخيارات إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية.

وعلى هذا ننوه هنا إلى أن احتمالات العودة إلى تطبيق المنع الشامل أو إعادة إغلاق الاقتصاد تظل قائمة وترتبط بمدى التزام المجتمع الاقتصادي بما يجب عليه في هذه المرحلة الحاسمة، خاصة أن الدول وفقا لتصريح الوزير قد نجحت حكومة المملكة في التصدي المبكر لهذه الجائحة.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 4 سنوات | 10 قراءة)
.