آخرها المهرة.. شبح التقسيم يحوم فوق اليمن برعاية سعودية

آخرها المهرة.. شبح التقسيم يحوم فوق اليمن برعاية سعودية

المهرة بوست - ترجمات [ الجمعة, 03 يناير, 2020 - 10:03 مساءً ] منذ عامين، استقر السعوديون في محافظة المهرة شرق اليمن، في الظاهر حفاظا على السلام، وفي الواقع لبناء خط أنابيب للنفط، لكن تفاقم الوضع الفوضوي المستمر بهذا البلد منذ نحو خمس سنوات نتيجة الحرب يصب باتجاه تقسيم أحد أفقر بلدان المنطقة.

وقالت مجلة "لكسبريس" الفرنسية في تقرير لها: إنه في زقاق مهجور في ضواحي صلالة، وهي بلدة في جنوب سلطنة عُمان، يحرس رجال يرتدون الدشداشة البيضاء، ونظارات داكنة، مدخلا لأحد الفيلات، إذ يقول أحدهم لمراسل المجلة: "انتظر هنا، صاحب الجلالة مشغول"، وذلك في إشارة إلى عبدالله بن عيسى آل عفرار الذي قد يكون سلطانا بدون مملكة، لكنه لا يزال يرغب في ذلك.

وأوضحت أن هذا الرجل الذي كان يرتدي عمامة أنيقة، حكمت عائلته لمدة ستمائة عام المهرة، وهي منطقة يمنية عبر الحدود من سلطنة عُمان، مشيرة إلى أنه في الثمانينيات، انتقل هذا السلطان إلى السعودية، ثم في الآونة الأخيرة إلى عُمان، ويتخذ من صلالة مقرا له، حيث يود في يوم ما العودة إلى اليمن بشكل دائم واستعادة سلطته على محافظة المهرة، إذ كما يقول لا يزال يحظى بشعبية كبيرة، وفي غضون ذلك، يتابع من بعيد، النزاع الذي يمزق وطنه.

وأوضحت المجلة، أنه منذ عام 2015 تشهد اليمن حالة من الفوضى، غير أن هذا البلد الواقع في الجزيرة العربية كان يلقب قديما باليمن السعيد، في عام 1979، اعترفت الأمم المتحدة بجمهورية اليمن الشعبية باعتبارها الدولة الرائدة في الشرق من حيث التعليم.

وتابعت: كما كان للمرأة الحق في الطلاق وشاركت في الحياة الاقتصادية أكثر من أي دولة عربية أخرى، لكن اليوم يسيطر الحوثيون على جزء من اليمن، وهم ينتمون للشيعة الزيدية المدعومون من إيران، وفي مواجهة هؤلاء، تدخلت السعودية، على رأس تحالف عربي، عسكريا في البلاد، الأمر الذي جعل سكان اليمن مهددين بالمجاعة.

ولفتت المجلة إلى أنه رسميا، يقول السعوديون إنهم يريدون إعادة السلطة للرئيس عبدربه منصور هادي، الذي طرده المتمردون الحوثيون من البلاد، لكن بعض كبار الشخصيات باليمن، مثل السلطان عبدالله بن عيسى آل عفرار، يشتبهون في أن لدى المملكة خطط أخرى.

وتساءلت "لكسبريس" لماذا يوافق هذا الرجل، الذي لم يتحدث مطلقا إلى الصحافة الفرنسية، على الحديث إلى مراسلها؟، قائلة: السبب هو أن السعوديين قد استقروا لمدة عامين، في منطقته الأصلية، البعيدة عن النزاع.

تهدئة أم مهمة مراقبة؟ يقول هو نفسه: إنه احتلال غير شرعي، فمحافظة المهرة بالفعل موقعها مثالي بالنسبة لخطتهم الإستراتيجية، ففي النهاية، ستسمح للسعوديين، إذا تمكنوا من الاستقرار هناك بشكل دائم، من تأمين صادراتهم النفطية، وهو أولوية مطلقة للرياض، في منطقة لا تزال شديدة التوتر، بحسب المجلة.

مناورة سعودية ونقلت "لكسبريس" عن عبدالله بن عيسى آل عفرار، قوله: "في عام 2017، وصل الجنود السعوديون إلى المهرة دون إخطار السلطات المحلية احتلوا بسرعة ميناء نيشتون، على بحر العرب، ومنفذي شحن وصرفييت، وهما نقطة عبور مهمة بين عمان واليمن ثم استولوا على مطار الغيضة".

وأضاف: جاء ذلك رغم أن الجميع كان يعيش في سلام قبل وصولهم، لم يكن هناك أي من الحوثيين أو الإرهابيين المرتبطين بتنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة، ومع تدفق الأسلحة جوا، وقطع الرحلات الجوية المدنية، تدخل المحتل الجديد، بسرعة كبيرة، في الحياة السياسية لهذه المقاطعة التي يبلغ عدد سكانها 650 ألف نسمة، والتي تشكل واحدة من 22 محافظة في اليمن.

ونوهت المجلة إلى أنه مقابل الوجود السعودي، تم الإطاحة بالحاكم السابق للمهرة، محمد بن كده، في نوفمبر/ تشرين ثاني 2017، تحت ضغط من الرياض، لصالح راجح باكريت، وكلاهما يمني -سعودي، لكن الأخير ظهر سريعا أنه دمية يتلاعب بها السعوديون.

وبحسب السلطان آل عفرار، فإن "راجح باكريت يتلقى جميع توجيهاته من الرياض، فهو ليس حرا"، لافتا إلى أن "تعيينه تزامن مع تعزيز كبير للقوات السعودية في أوائل عام 2018".

ووفقا لتقديرات مركز "صنعاء" للدراسات الإستراتيجية، وهي هيئة يمنية مستقلة للبحث والتحليل، أسس السعوديون خمس قواعد عسكرية رسمية في المهرة، لكن المصادر المحلية تعتقد أن هناك ستة أضعاف هذا العدد.

وخلال هذه العملية، توافد مئات اللاجئين السلفيين من غرب اليمن، فضلا عن النيجيريين من شمال إفريقيا وبعض الفرنسيين، إلى مدينة قشن، عاصمة المهرة التاريخية، حيث منحهم السعوديون الأرض، بينما تساعدهم منظمة إنسانية بالرياض، وهي مركز الملك سلمان للإغاثة.

ويقول مؤمن، وهو سني معتدل: يرى سكان المهرة أنها محاولة من الرياض لتوسيع نفوذها.

ولفتت المجلة الفرنسية إلى أنه في 7 يناير/ كانون ثاني 2018، تجمعت مجموعة كبيرة من نساء المهرة ضد الوجود السلفي وبالنظر إلى حجم الاحتجاج، تم إلغاء بناء مركز ديني سلفي.

ونقلت عن إليزابيث كيندال، الباحثة بجامعة أوكسفورد المتخصصة في الشأن اليمني، قولها: "على الرغم من ذلك، يستمر التدخل السعودي في إثارة العداء بشكل قوي، خاصة على طول الساحل المكتظ بالسكان".

خط أنابيب يثير الخلاف وقالت "لكسبريس": هذه مجرد البداية، فالموضوع الحقيقي في مكان آخر، ونقلت عن مصدر دبلوماسي غربي قريب جدا من القضية: "لقد استقر السعوديون في المهرة لبناء خط أنابيب للنفط"، وهذا سيمكنهم من تجنب مرور نفطهم عبر مضيق هرمز، الذي لا يزال منطقة عرضة للتوترات الدولية.

 ويؤكد الشيخ علي سالم الحريزي قائد الحراك الشعبي في المحافظة، للمجلة الفرنسية هذا المشروع، قائلا: "المملكة العربية السعودية تريد أن تسرق هذه الأرض من أجل الوصول إلى بحر العرب، لكن شعب المهرة لن يدعها تفعل ذلك".

وتوضح المجلة أنه في سبتمبر/ أيلول 2018، قامت قوات المهرة القبلية بإبعاد فريق من المهندسين السعوديين الذين أرادوا البدء في بناء طريق في منطقة خرخير الصحراوية، على الحدود بين المملكة السعودية واليمن.

وأكدت أن الهدف كان الإعداد لخط الأنابيب الشهير هذا، والذي يجب أن يصل إلى ميناء نشطون، حيث يمكن أن يرى مشروع كامل للبنية التحتية النور.

وكدليل على ذلك، كشف مركز صنعاء عن وجود رسالة موقعة من شركة تابعة لمجموعة ابن لادن (هوتا للأعمال البحرية المحدودة) موجهة للسفير السعودي في اليمن، تشكره على قبول إطلاق دراسة جدوى لميناء نفطي.

ويرى فرانسوا فريسون روش، الباحث في "المركز الفرنسي الوطني للأبحاث والمتخصص باليمن"، في حديثه للمجلة إنه بالنسبة للسعودية، لا يمكن أن يتحقق هذا الحلم القديم ما دام اليمن جمهورية ذات سيادة.

وأضاف: "اليوم تغير الوضع، سيستخدم السعوديون الوسائل المالية أو العسكرية لفرض أنفسهم في هذه المنطقة وتأمين نقل الذهب الأسود".

وقدر رفض المتحدث باسم التحالف السعودي في اليمن، العقيد تركي المالكي، الإجابة عن أسئلة المجلة الفرنسية عندما اتصلت به للتعليق.

القمع الدموي الصحيفة قالت: إن المظاهرات والتجمعات المناهضة للرياض تتزايد، لكن في ظل الوجود السعودي المسلح يخشى الأسوأ، فبعض المراقبين يتخوفون من فتح جبهة أخرى في اليمن الذي دمرته الحرب بالفعل.

ففي 14 نوفمبر 2018، بالقرب من ميناء نشطون، أسفرت اشتباكات بين المتظاهرين المسلحين المحليين والجنود السعوديين عن مقتل شخصين من المهرة، لكن المحتلين ينكرون مسؤوليتهم.

ناهيك عن تحذير من ينتقدون صراحة قوات الرياض أو ميليشياتها شبه العسكرية، التي يتم تدريبها من قبل الإماراتيين والسعوديين، وفقا لعدة مصادر محلية نقلت عنها المجلة.

يحيى السواري صحفي، اعتقل في 3 يوليو/ تموز الماضي، بعد عدة أشهر من تحقيقه في تجاوزات الاحتلال السعودي للمهرة، وتم تسليمه إلى القوات السعودية، حيث أُرسل إلى سجن سري في مطار الغيضة، وهو يدرك أنه ليس الخصم الوحيد المعتقل.

ونقلت المجلة عن السواري ، قوله: "كان بعض الناس يصرخون ويطلبون بعض الطعام.

بعد عدة أيام من الاحتجاز، تم تسليم الصحفي إلى إحدى هذه الميليشيات، وتعرض للتعذيب لمدة ستة وخمسين يوما، قبل أن يتمكن من الفرار.

اليوم يصف يحيى السويري محافظة المهرة بأنها تتعرض لقمع سعودي أعمى، ففي يوم اعتقاله، ذهب إلى مستشفى الغيضة لتلقي شهادة من فتاة صغيرة نجت من اعتداء سعودي على منزلها.

وأوضح في حديثه لـ"المجلة" أنه "لقد قتلوا عائلتها بأكملها، وكانت الناجية الوحيدة".

منوها إلى أنه في المهرة، يتصرف السعوديون دون عقاب لا توجد عملية قانونية، ولا أحد يسمع المزيد عن الضحايا".

وتساءلت المجلة مجددا: كيف يمكن وقف هذه الانجرافات، إن لم يكن عن طريق المواجهة المسلحة؟ ويجيب علي سالم الحريزي: سكان المهرة ليسوا مستعدين للقتال ضد السعوديين، لكنهم سيضطرون إلى القيام بذلك، حتى لو كان لديهم أسلحة قديمة فقط.

وبحسب "لكسبريس"، فإن السلطان آل عفرار يرغب في استقلال المهرة، فلا شك أنه يعتبر ذلك في مصلحته الشخصية سيكون طريقة للعودة إلى أرضه الأصلية، مضيفة لكنه ليس الوحيد الذي يطالب بهذا الانفصال، يريد الكثير من الناس في محافظة المهرة أن يحرروا أنفسهم من السلطة اليمنية البالية.

وقال فرانسوا فريسون روش في حديثه للمجلة: "كلما ضعفت الدولة وأصبحت تتلاشى كلما بحثت الكيانات الإقليمية عن حكم السلاطين السابقين" وهذا ما يحدث في المهرة.

وفي ختام التقرير طرحت "لكسبريس" تساؤلات عدة: كيف سيكون رد فعل المملكة العربية السعودية؟ من الناحية النظرية، ليس لدى الرياض مصلحة في إثارة الاستقلال الذي من شأنه أن يزيد من تقسيم هذا البلد الذي يحتضر بالفعل.

لكنها قد تقرر أيضا دعم مشروع تحرير المهرة.

وبمجرد الاستقلال إن حدث، كيف يمكن لـ"سلطنة المهرة" أن تقاوم الإرادة المهيمنة لمملكة آل سعود؟ ترجمة صحيفة الاستقلال مشاركة الخبر:

اليمن      |      المصدر: المهرة بوست    (منذ: 4 سنوات | 12 قراءة)
.