التغييرات الهائلة على النظام النقدي الدولي «2 من 3»

دور الصندوق في إقراض البلدان التي تواجه مشكلات في موازين مدفوعاتها جعله جزءا ضروريا من النظام النقدي الدولي، ولا سيما بعد صدمات أسعار النفط.

وكانت عمليات السحب الأولية من الصندوق (قامت فرنسا بأول عملية سحب عام1947) في صورة "شراء مباشر" ما يعني أن البلد كان يسحب النقود بصورة فورية.

غير أنه في وقت مبكر من عام 1952، ظهر مفهوم القروض الوقائية -أي استعداد الصندوق لإتاحة الأموال لبلد ما لاستعادة الثقة فيها وتشجيع التدفقات الرأسمالية الخاصة، ما قد يجنب البلد الحاجة إلى استخدام نقود الصندوق فعليا- في صورة اتفاق الاستعداد الائتماني.

وفي عام 1963 استحدث الصندوق تسهيل التمويل التعويضي إيمانا منه بأن التقلبات في أسعار السلع الأساسية كانت غالبا هي المصدر الرئيس لمشكلات ميزان المدفوعات في الاقتصادات النامية.

وإلى جانب تسهيل النفط الذي قدمه الصندوق عقب صدمة أسعار النفط الأولى، استحدث صندوق النقد الدولي تسهيل الصندوق الممدد عام 1974 استهدف به البلدان التي تواجه مشكلات أطول أجلا في ميزان المدفوعات وذلك في سعيه المستمر إلى مساعدة أعضائه على تصحيح اختلالات ميزان المدفوعات "دون اللجوء إلى تدابير تؤدي إلى تقويض الرخاء الوطني أو الدولي".

وكانت أدوات الإقراض الجديدة تلك، ولا سيما تسهيل الصندوق الممدد، إضافة مهمة إلى مجموعة أدوات الإقراض خلال ثمانينيات القرن الماضي التي شهدت أزمة الديون في الاقتصادات النامية، عندما ارتفع حجم التزامات الإقراض من صندوق النقد الدولي من ملياري وحدة حقوق سحب خاصة عام 1979 إلى 15 مليار وحدة حقوق سحب خاصة تقريبا عام 1983 وإلى جانب هذا التوسع في محفظة قروض الصندوق، اضطر الصندوق إلى تطوير سياساته بشأن المتأخرات والشرطية وتصميم البرامج وتعديل هذه السياسات وإدخال التغييرات اللازمة عليها لتتناسب مع التطورات.

وبالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، كان الابتكار الأهم هو التسهيل التمويلي للتصحيح الهيكلي عام 1986، وتلاه التسهيل التمويلي المعزز للتصحيح الهيكلي عام 1987 وتسهيل النمو والحد من الفقر عام 1999 (يطلق عليه الآن الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر)، ومبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون التي تهدف إلى تخفيف أعباء الديون، والغرض منهما مساعدة البلدان على تحقيق تصحيحات خارجية أقل ضررا بالنمو الاقتصادي وإن كان غالبا مع مزيد من الشروط الهيكلية في البرامج.

ومع انقضاء أزمة الدين في أواخر ثمانينيات القرن الـ20 وما صاحبها من قروض مقدمة من صندوق النقد الدولي، وإثارة التساؤلات مجددا حول أهمية دور المؤسسة، استطاع صندوق النقد الدولي العودة إلى مركز الصدارة هذه المرة من خلال مساعدة الاتحاد السوفياتي وأوروبا الوسطى والشرقية على التحول إلى نظام اقتصاد السوق.

وكانت المساعدات المقدمة في جزء منها عبارة عن جهود مباشرة بغرض الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، لكن تصميم البرامج في هذه البلدان غالبا ما كان يتطلب قيام الصندوق بتقديم المشورة (تضاعف حجم المساعدات الفنية المقدمة تقريبا بين عامي 1990 و1996) وفرض شروط أيضا بعيدة كل البعد عن اختصاصاته المعتادة فيما يتصل بسياسة التسعير والخصخصة والحوكمة، على سبيل المثال.

وحققت برامج الإقراض المتاحة من الصندوق نقلة نوعية خلال أزمات الحساب الرأسمالي في الأسواق الصاعدة في تسعينيات القرن الماضي، كانت أهمها الأزمات المالية في آسيا خلال الفترة 1997-1998 لكنها امتدت لأعوام طويلة على مدى العقد، بدءا من قيام المكسيك بخفض قيمة العملة في ديسمبر 1994 إلى انهيار مجلس العملة الأرجنتيني في يناير 2002 وبخلاف ما استلزمته هذه الأزمات من تمويل كبير للتصدي لها، فقد أثارت تحديات تحليلية عديدة بالنسبة للصندوق (ولجميع المختصين بمجال الاقتصاد بوجه عام).

وأصبح الصندوق طرفا في خلاف حول الاستجابات الملائمة من خلال السياسات، وكان عليه وضع أدوات جديدة وتضمين القطاع المالي وقطاع الشركات في تحليلاته الاقتصادية الكلية وتقديم المساعدة الفنية لهذين القطاعين.

ورغم أن نظام بريتون وودز لم يعد موجودا منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، إلا أن النظام النقدي الدولي كان لا يزال يواجه عديدا من المشكلات التي واجهها مصممو النظام.

ففي التقرير النهائي الذي عرضته لجنة العشرين -لجنة وزارية تم تشكيلها في تموز (يوليو) 1972 للنظر في إجراء إصلاحات في النظام النقدي الدولي- على مجلس محافظي الصندوق في حزيران (يونيو) 1974 على سبيل المثال، أشارت إلى أن "تحقيق الاتساق بين التزامات جميع البلدان المدينة والدائنة على حد سواء" و"تعزيز إدارة السيولة العالمية" من الأهداف الرئيسة التي يلزم تحقيقها لإصلاح النظام النقدي الدولي.

وثبت مجددا أن الاتفاق أمر بعيد المنال.

فبدلا من العودة إلى نظام بريتون وودز (لكن مع توزيع أعباء التصحيح على نحو أكثر اتساقا بين البلدان) دعت اتفاقية التأسيس المعدلة الصندوق إلى أن "يشرف على النظام النقدي الدولي لضمان كفاءة عمله، ويمارس رقابة صارمة على سياسات أسعار الصرف في البلدان الأعضاء" وهكذا كان مقررا أن يكون لنظام الرقابة شقان: رقابة ثنائية لضمان وفاء فرادى البلدان بالتزاماتها بموجب الاتفاقية -المعدلة-، ورقابة متعددة الأطراف للإشراف على عمل النظام.

وكان ذلك بداية تقرير آفاق الاقتصاد العالمي عام 1980.

.

.

يتبع.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 4 سنوات | 9 قراءة)
.