مبدأ الجهاد لدى الحوثيين .. قراءة في المعتقد والتمثلات (دراسة)

   تستلهم جماعة الحوثي -كجماعة دينية سياسية مسلحة- وجودها الفكري والديني، من تراث المذهب الزيدي، مثلما تقيم وجودها السياسي على أساس الدعوة إلى إحياء الإمامة/ الخلافة في اليمن، وجميع أعمال الجماعة تتكئ، على نحو ما، على إرث وتاريخ الأئمة الرسيين الهاشميين الذين حكموا اليمن 1000 سنة؛ انتهت بنهاية حكم أئمة الدولة المتوكلية في اليمن، إبان ثورة 1962م.

.

وهو ما ظل أبناء الطبقة الهاشمية يسعون لاستعادته، ومثلت جماعة الحوثي التطور الأخطر في هذا السياق، حين اتخذت من العنف والعمل العسكري سبيلاً لذلك.

وبينما كان قد اتخذ بعض الهاشميين، في مطلع التسعينيات، النشاط السياسي الحزبي سبيلاً لذلك، في ما يعرف بـ”حزب الحق” الذي كان قد تأسس، العام 1990، كحزب خاص بالطائفة الزيدية، ويقوده رجال دين ومرجعيات زيدية، أسس محمد بدر الدين الحوثي ما يسمى حركة “الشباب المؤمن”، في 1991م، والتي كانت تهدف إلى نشر الفكر الزيدي في أوساط القبائل الزيدية التي كانت قد بدأت المؤثرات الدينية السنية تكتسحها، لكنها سرعان ما تطورت إلى حركة مسلحة متمردة على الدولة، ففي 2002م تبنى حسين بدر الدين الحوثي، شعاراً للتنظيم: «الله أكبر.

.

الموت لأمريكا.

.

الموت لإسرائيل.

.

اللعنة على اليهود.

.

النصر للإسلام»، ليخوض حرباً مع القوات الحكومية، بدأت عام 2004م، حين قام أتباعه بجمع الزكاة من المواطنين في مناطق صعدة، وحين طالبت السلطات اليمنية بتسليم تلك الأموال، رفضوا، وكان ذلك سبباً في المواجهات المسلحة بينهم وبين الأمن اليمني، وقد تحولت تلك المواجهات المتقطعة إلى صراع طويل بينهم وبين الجيش اليمني، من 2004، وانتهاء بمعارك 2014م التي سوف تنتهي، في 21 سبتمبر من العام نفسه، بسيطرة الجماعة على العاصمة صنعاء، ومؤسسات الدولة، وإحكام قبضتها على خارطة واسعة من البلاد.

وبالرغم من الخطاب الذرائعي الذي تبنته الحركة في كل مرحلة من مراحل تطورها، إلا أنها تنطلق أساساً من مرتكزات وأسس دينية بحتة يتموضع الجهاد كواحد من أهم هذه المرتكزات لدى الجماعة ذات الهوية الحربية، والتي يبدو أنها انطلقت فيه من مبدأ تقرُّ به معظم الطوائف الزيدية، وهو مبدأ الخروج على الحاكم الظالم، ويختلفون في هذا مع المذاهب السنية، مثل المذهب الحنبلي (الوهابية) الذي كان قد انتشر بين الزيود في اليمن، ورأى الحوثيون أنه فكر ضال تكفيري يتعارض مع أساس هذه الفكرة -أي فكرة الخروج على الحاكم الظالم- ويبيح قتل النفس عبر العمليات الانتحارية (ويكيبيديا).

وتأسيساً على ذلك، انطلق الحوثيون في محاربة الفكر الوهابي و الإخواني، عبر نشر الأفكار الزيدية في مناطق صعدة، ومن ثم صنعاء وغيرها، قبل أن يؤول ذلك إلى عمل عسكري جهادي تجلت ذروته ما بعد ثورة فبراير 2011م، في اليمن، في ما يعرف بحرب دماج بصعدة التي كانت تحتضن مدرسة دينية قائمة على الرؤية “الحنبلية”، أسسها الداعية السلفي “مقبل الوادعي”، وقد ابتدأ الصراع في منطقة دماج بحصار الحوثيين لها، ولأهلها، ومريدي حلقات الداعية “الوادعي”، العام 2011م، والذي أفضى إلى حروب طاحنة سوف تنتهي بقرار جمهوري أصدره الرئيس عبدربه منصور هادي، في 2014م، قضى بإجلاء السلفيين، ومريدي مدارس دماج، من منطقة دماج بصعدة، إلى محافظة الحديدة، ومحافظات أخرى.

وفي كل معارك الحوثيين التي تلت ذلك، وانتهت بسيطرتهم على العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014م، ظل المبدأ الجهادي هو المرتكز الأساسي في العمليات العسكرية التي قامت بها الجماعة، وإن كان ثمة خطاب مراوغ على المستوى الإعلامي، فعلى مدى الحروب التي خاضتها مضى خطاب الجماعة في اتجاهين أساسيين: أحدهما -وهو الظاهر- اتسم بمنح الصراع طابعاً محلياً وآنياً (على سبيل المثال خلاف قبلي في حالة حاشد، مطالب أبناء المحافظة وإقالة المحافظ في حالة عمران، الجرعة في حالة صنعاء)، بينما كان الخطاب في وجهه الآخر يتركز حول فكرة الحرب ضد “التكفيريين”، وهو توصيف وسع من نطاقه الحوثيون ليشمل كل خصومهم تقريباً، فبعد سلفيي دماج، أطلقه الحوثيون على حزب التجمع اليمني للإصلاح، والقوى الموالية له، بينما استخدموا مصطلح “الدواعش”، كمصطلح شعبي موازٍ للتكفيريين، فأطلقوه على القوات الحكومية المنضوية تحت لواء الشرعية وكافة التشكيلات القتالية في ما يعرف بالمقاومة، وهي تشكيلات لا تخلو من الجماعات الدينية السنية الجهادية، لكن الحوثيين يطلقون هذه التسمية في تعميم واضح، يمنح صراعهم معها طابع الحرب الطائفية، وإعلامياً “الحرب ضد الإرهاب” كخطاب يلقى تعاطفاً عالمياً.

 تنتمي جماعة الحوثي إلى ما يسمى ظاهرة “المسلحين الفاعلين من غير الدول”، وهي ظاهرة تكاد تكتسح الشرق الأوسط بشكل عام، يأتي في طليعتها كل من تنظيمي القاعدة وداعش، والحشد الشعبي، وحزب الله، وغيرها، بيد أن الجماعة، تنتمي إلى ما يمكن تسميته التشكيلات ذات الهوية المركبة، أي التي تمزج في طبيعتها بين العرق والقبيلة والتنظيم الجهادي، والتشكيل العسكري، ومع ذلك فإن المبدأ الجهادي، يعد مرتكزاً أساسياً لدى الجماعة، لا تكاد تختلف فيه سوى في التفاصيل، كما أسلفنا، أو في الآليات، عوضاً عن مرتكزاتها الخطابية وخلفياتها السياسية وموجهات الخطاب والممارسة لا تكاد تختلف كثيراً عن الجماعات الجهادية.

تقوم هوية الحوثي على افتراض “عدو”، كما يتضح من خلال الصرخة، التي لا تعدو كونها وسيلة الحوثي «الاستفزازية» في التعبير عن وجوده من خلال أعداء هم أبعد ما يكونون عنه وعن سياقه الجغرافي والتاريخي، هذه الهوية تكاد تقترب من هوية القاعدة التي تقوم على استعداء “الآخر” غير المسلم، بينما يصبح ذلك طريقاً مؤدياً صوب معاداتها للدولة (الإسلامية بطبيعة الحال) تحت غطاء العمالة، والموالاة، وهو ذات الخطاب الذي عاش عليه الإخوان المسلمون زمناً طويلاً، بيد أن معاداة أمريكا، وعلى خلفية القضية الفلسطينية، تعد، وبشكل عام، أيديولوجيا تحكم تنظيمات الإسلام السياسي، لكن الطريف هو أن ثمة منافسةً واضحةً بين كل من التنظيمات السنية (داعش، والقاعدة وغيرهما)، والتنظيمات الشيعية (الحوثيين وحزب الله مثلاً)، حول هذه النقطة أساساً، والتي تتكثف في محاربة “المشركين”، “الكفار”، إذ إنها تمضي من محاربة أمريكا، وإسرائيل، لترتد على هيئة حرب تكفيرية وعنف بين الطرفين الإسلاميين، أو بين أحدهما وبين الدولة.

وتطلق مختلف التشكيلات الشيعية على المذاهب السنية صفة “التكفيريين”، في إشارة إلى “فتوى التكفير” التي تعد واحداً من أهم مرتكزات الفكر الديني السني، ومع ذلك فإن نهج “التكفير” ليس خاصاً بالجماعات السنية، فالجماعات الشيعية معروفة بالتكفير، والشواهد على ذلك كثيرة ومعروفة، لكن الأهم لدينا هنا هو أن مصطلح “التكفيريين” يحمل في جوهره معنى من معاني تكفير الآخر، ذلك أن من يوصف به يعتبر خارجاً عن الطريق الحق، من وجهة نظر دينية، ولذلك توجب قتاله، وبتعبير آخر، فإنه وكما أن الجماعات السنية تصف الشيعة بالروافض، وتجوز قتلهم ومحاربتهم بكونهم خارجين عن الدين، فإن وصف الجماعات الشيعية، للجماعات السنية بـ”التكفيرية”، معناه، ضمنياً، الحكم عليها بكونها خارجة الدين، ما يترتب على ذلك الدعوة إلى وجوب قتالهم.

ويحيلنا هذا إلى فكرة جوهرية ومركزية مفادها أن خطاب الجهاد لدى جماعة الحوثي ينتمي إلى مجمل الخطاب الإسلامي العام حول هذا المعتقد، وخطاب جماعات الإسلام السياسي بشكل خاص، لكنه يختلف معها جميعاً (باعتبار البعد الشيعي مرجعية أساسية للجماعة)، في الشكل أو الآليات، فمن الثابت أن الخطاب الديني لدى مختلف الجماعات الإسلامية يتفق في الأسس، ويختلف في الآليات، والتوقيت، وطبيعة الممارسة أو شكلها، وينطبق على هذه الحالة تماماً ما يطرحه المفكر المصري نصر حامد أبو زيد، في كتابه “نقد الخطاب الديني”، حول كون الجماعات الإسلامية على اختلافها وتباينها، تلتقي في معظم المبادئ الأساسية، وأن ما يظهر من فروق بينها فإنما هو فرق في الدرجة لا في النوع، ويشمل هذا مبادئ مثل الحاكمية، والتكفير، والجهاد (تغيير المنكر باليد).

.

وغيرها.

وبمعنى من المعاني، فإن جماعة الحوثي، وجماعات مثل داعش والقاعدة، وغيرها من الجماعات الدينية الجهادية المسلحة، تقاتل من أجل مبدأ واحد يتمثل في مبدأ “الحاكمية”، على ما بين هذه الجماعات من اختلاف حول مفهوم وطبيعة وتجسيد هذا المبدأ، إلا أنها ومثل مختلف الجماعات الدينية الإسلامية المعاصرة، تتفق حول مبدأ الحاكمية بمفهومه العام، وحول مبدأ تغيير المنكر باليد، بل إنها تذهب في هذا التلاقي إلى مشتركات أخرى تقوم على “تكفير المجتمع والحاكم”، بتعبير نصر حامد أبو زيد، ويشمل ذلك أساسيات الحكم والقانون، ويمتد إلى قمع الفنون، وتحريمها ممارسة الفنون، كالغناء والموسيقى، وتقييد الحريات الشخصية، وكل ما يتعلق بحرية المرأة.

ومن هذه المنطلقات تقوم هذه الجماعات أو تسعى إلى فرض التغيير على المجتمع، مع اختلافها في الأسلوب أو التوقيت أو الآليات حول كل ذلك.

إن خطاب الحوثيين لا يكاد يفترق عن الخطاب الشيعي الذي بدأ مع ثورة الخميني في إيران، لكنه في الأساس يكاد يلتقي مع الخطاب الديني العام الذي تشكل في العصر الحديث لدى الإخوان المسلمين، وعلى يد سيد قطب مثلاً، وبالمجمل لدى تيارات “الإسلام السياسي”.

إن موجهات الخطاب لدى جماعة الحوثي، ومن خلال محاضرات حسين بدر الدين الحوثي، تكاد تذكرنا بخطاب تيارات “الإسلام السياسي”، والذي ما لبث أن أصبح شعبياً، وقد غذته العديد من القنوات السياسية والفكرية، ويتمثل في القطيعة مع ما يعرف بـ”الأخلاقيات العالمية المشتركة” التي تجلت في “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” أو في ظهور مؤسسات عالمية (مثل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن…) والتي انضمت إليها الدول العربية والإسلامية، وتقبلتها الأنظمة، مع بقاء الإحساس بالظلم لدى المسلمين من كون هذه المؤسسات تعمل بازدواجية في المعايير، خصوصاً في ما يتعلق بقضية فلسطين.

وهو أحد المرتكزات الخطابية لدى جماعة الحوثي، بل إحدى الأيقونات التي تستدعيها الجماعة في خطب ود الجماهير، مثلها في ذلك مثل الخطاب الإيراني، وهو بطبيعة الحال إحدى المرجعيات المركزية للجماعة.

وترتكز الرؤية الحوثية في الخطاب والممارسة، على فكرة كون أي عمل سياسي ينبغي أن يكون خارج مظلة أو أطر مبادئ مثل القومية أو الوطنية، بل في إطار الجهاد الإسلامي كهوية كبرى، كما يؤكد ذلك حسين بدر الدين الحوثي، في إحدى محاضراته، ولكنه يفترق في ذلك مع الجماعات الإسلامية الجهادية الأخرى، حول مفهوم الجهاد، فمن الملاحظ أنه، ومنذ بدايات الدعوة التي تبناها، كان زعيم الجماعة يضع نفسه وجماعته كبديل لـ”القاعدة”، كما تفيد بذلك الكثير من محاضراته، التي بدا فيها وهو يضع نموذجاً جديداً للجهاد ضد الغرب وأمريكا وإسرائيل، يختلف عن المنهج الذي اتخذته “القاعدة” التي يرى فيها صنيعة غربيةً بغرض السيطرة على بلاد المسلمين، ومبرراً في حربها عليها، معلياً من شأن نموذج حزب الله في محاربة المشركين/ إسرائيل، مؤكداً أن مبدأ الجهاد لدى الجماعات الإسلامية الأخرى -من غير حزب الله- يقوم على خطأ، وأن الجهاد الصحيح هو الجهاد القرآني، وهو مصطلح فضفاض، لكنه مركزي في فكر الرجل الذي بنى دعوته على هذا المفهوم، محاولاً من خلاله خلق تفسير جديد للقرآن -هو أقرب إلى التفسير الشعبي لهذا النص المقدس- يقوم على استنطاق آياته بشكل سطحي، وإسقاطه على الواقع السياسي، لكنه يستند عليه في المبادئ الدينية الأساسية، وعلى رأسها الجهاد، فينطلق في الدعوة إليه بدءاً من التشريع الذي يأمر بمحاربة الكفار، وكون الجهاد في سبيل الله يكون بالقتال ضد الكفار والمشركين (اليهود والنصارى).

ويحضر بقوة البعد الشيعي، والرؤية السياسية الإيرانية، في هذا التوجه العام، فحسين بدر الدين الحوثي الذي سافر إلى طهران، وأقام فيها عدة سنوات، وتأثر بالخميني والنموذج الإيراني، واعتقد بإمكانية إحياء الخلافة/ الإمامة الزيدية في اليمن، عاد من هناك بشعار الجماعة الأساسي: “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”، وهو تناص واضح مع شعار الخميني: “الموت لأمريكا”، إبان الثورة الإيرانية، عام 1978م، أو بالأصح امتداد له، وهو شعار يمجد الموت، ويتخذ من العداوة ضد الغرب واليهود، مبدأً أساسياً له، ولكن، ولأن الجماعة لا تستطيع أن تخوض حرباً مباشرةً مع أمريكا وإسرائيل، أو بالأصح ليست، ولو مثل حزب الله، على تماس مباشر مع إسرائيل، فقد تركز خطابها الديني/ السياسي على قاعدة “ذهبية” في الفكر الإسلامي، وهي محاربة الموالين للمشركين.

هكذا، وبخلاف تنظيم القاعدة الذي نشط بشكل أساسي في تهديد مصالح البلدان الغربية، بدأ الحوثي حركته ضد الحكومة اليمنية، ابتداءً من العام 2004م، وانطلاقاً من مبدأ ما يسمى “الموالاة والمعاداة”، الذي يقوم على فكرة أن من يوالي المشركين/ الغرب، فهو منهم؛ ولذلك توجب قتاله، ومن أجل ذلك نجد أن فكرة كون القاعدة وداعش “صنيعة غربية”، تحتل مكانة مهمة في الخطاب الحوثي.

ومع أن مبدأ “الموالاة والمعاداة” أيضاً يعمل في بعض الأحيان لدى التنظيمات الإسلامية الجهادية الأخرى، مثل القاعدة وداعش، فإن جماعة الحوثي تفضل عادةً القتال في مواجهة مباشرة، وبتعبير آخر، فإذا كانت كل من القاعدة وداعش، تعتمدان على آليات في ممارسة العنف مثل التفجيرات والاغتيالات وغير ذلك، فإن ما يميز جماعة الحوثي هو أنها تفضل القتال في سياق حربي يعتمد على المواجهة، وهو المبدأ الذي يستند إليه الجهاد لدى الشيعة بشكل عام أو في الغالب، والذي يعد أحد مرتكزاته في ما يسمى المبارزة، وهو مبدأ مشروع عند فقهاء الشيعة، وقد يأتي على نحوين: مستحب ومباح، فأما المستحب فهو أن يدعو المشرك إلى البِراز، فيستجيب المسلم، وأما المباح فهو الخروج إلى “المشرك” ابتداءً، فيدعوه إلى البِراز، ويذكر أنه واجب إذا ألزمه الإمام، ولعل هذا يمكننا من فهم واحدة من آليات الحوثيين في معظم معاركهم، والقائمة على استفزاز كل خصومهم، واستدراجهم إلى الحرب.

كما يمكننا من فهم الذريعة الذهبية التي كان الحوثيون يروجون لها باعتبارهم يحاربون “دفاعاً عن النفس”.

ومع ذلك، يقاتل الحوثيون أساساً من أجل هدف واحد، وهو إعادة الحكم الإلهي أو الحق الإلهي، والمتمثل في الحكم لآل البيت، وهم يرون أنه انتزع منهم في القرن الأول الهجري، وهو الهدف الذي قاتل من أجله الحسين بن علي بن أبي طالب، وهم يرون في ثورته منهجاً يسيرون عليه.

إن التضحية التي قدمها الحسين، تعد المنهج الأساسي في الفكر الشيعي بشكل عام، ولهذا يجسد الحسين رمزاً بطولياً، أو رمزاً من رموز التضحية والثورة التي يجب السير على منهجها، بخلاف منهج الحسن، شقيقه الذي التزم مسار السلام، وترفع عن المطالبة بالحق الإلهي المزعوم، ومع ذلك فإن الحوثيين، ومن قبلهم منهج الخميني في إيران، يرون في مسلك الحسن، مسلكاً ممكناً، إذ يمكن المضي في نهج الحسن الذي فضل السلام، وهو خط يفسر لنا اتباع مسار المفاوضات لدى جماعة الحوثيين، والجمهورية الإسلامية، بيد أن من الطريف في هذا السياق أن ثمة قناعة لدى الزيدية في اليمن، تتجسد في كون الحسن رجلاً أضاع الملك باتباعه نهج السلام، ولهذا يغيب تمجيده في الطقوس والأدبيات، مقارنة بالحسين، وتتجلى تراتبية شبه حادة داخل المكون الهاشمي، يتموضع فيها “الحسينيون” في مرتبة أسمى من “الحسنيين”، لأن الحسين قاتل وجاهد وضحى بنفسه من أجل استرداد الحق الإلهي في الحكم، بعكس الحسن.

بيد أن هذا كله قد يشير إلى تقارب بين الخمينية والحوثية، فبينما يمكن القول إن الخمينية قد اقتربت من الزيدية في مذهبها الشيعي، حين أعلت من الجهاد كما اختطه الإمام زيد، فإن الحوثيين، الذين يتكئون على المذهب الزيدي في اليمن، قد اقتربوا أيضاً من النهج الإيراني، مع الاحتفاظ بالمبدأ الزيدي في الخروج والجهاد.

تقوم البنية الأساسية لجماعة الحوثي على هيكل تنظيمي غير مفهوم تحديداً، ولا يمكن تحليله لنقص المعلومات حوله، وشدة غموضه، لكنه، وبالإضافة إلى القيادات المعروفة، مثل عبدالملك بدر الدين الحوثي، القائد الحالي للجماعة، وقبله شقيقه حسين بدر الدين الحوثي، الذي خاض أول حرب مع الحكومة اليمنية، انتهت بمقتله، وبعض القيادات التي عُرفت مؤخراً على مستوى الإعلام الرسمي والشعبي معاً، فإن الجماعة تكاد تكون ذات بناء هرمي يشكل قاعدته الأساسية ما يعرف بالمجاهدين، الذين شكلوا، إلى ما قبل 2 ديسمبر 2017م، 120 ألف جندي.

وهي قوة ظلت تنمو بشكل مطرد مع كل حرب تخوضها الجماعة، وتخرج منها أقوى من ذي قبل.

هذه التشكيلات القتالية هي الكيان الشعبي الأساسي للجماعة التي بالرغم من كونها قد بدأت بشكل غامض، إلا أن هويتها وبالتالي تسميتها قد تشكلت وتبلورت أكثر مع الوقت، ولكن المبدأ الجهادي فيها يظل جوهرياً، ويكفي أن نعرف أن جماعة الحوثي، التي تسمي نفسها “أنصار الله”، وتعرف الآن بـ”جماعة الحوثي” أو “حركة الحوثي” أو “الحوثيين”، كانوا يشيرون لأنفسهم بـ”أنصار الحق” و”الحسينيين” و”المجاهدين” و”جند الله”، وهي كلها تسميات تشير إلى طابعها الجهادي الحربي كمبدأ وهوية خاصة.

وهذه الكتائب القتالية، غالباً ما يكون منتموها من الأطفال، أو الشباب الذين لم يتلقوا تعليماً جيداً، وتم استقطابهم من قبل الجماعة وقياداتها، ليخضعوا لمستويين من الإعداد، الأول: عبارة عن محاضرات دينية تعبوية في ما يعرف بالدورات “التثقيفية” أو “الثقافية”، ينفذها محاضرون من القيادات المرجعية للجماعة، يلقون فيها محاضرات حسين بدر الدين الحوثي، أو ينطلقون منها في تلقين المستقطبين أو المستهدفين الجدد، التعاليمَ والأسس الرئيسية للحركة التي من بينها تعزيز مبدأ الجهاد والشهادة في سبيل الله، وتحبيب الموت إلى قلوب المقاتلين أكثر من الحياة، بما يتضمنه ذلك من وعود بالجنة، ومن زهدٍ في الحياة.

وأما المستوى الثاني فيتمثل في تدريبات عملية، أهمها قتالية عسكرية تتضمن التدريب على مختلف الأسلحة، بكل ما يشمله التدريب القتالي العسكري المتخصص، الذي يقال إن خبراء إيرانيين يشاركون فيه.

ويمثل هذان المستويان مرتكزين أو آليتين أساسيتين في تهيئة أي منتمين أو منضمين أو مستقطبين قبل دفعهم أو الزج بهم في الحروب العبثية التي تخوضها الجماعة.

ومثل كل الجماعات الدينية الجهادية، يعلي الحوثيون من شأن الموت في مقابل الحياة، بل يروجون للموت كسلعة عبر الإعلانات المكثفة في الشوارع والمنازل والخطابات والمساجد والدورات الثقافية الإجبارية، وتركز الأدبيات الخاصة بالجماعة على ثيمة الموت كحقيقة منشودة، وهذا ما يتضح في الملازم والمحاضرات الدينية، والزوامل، بل يتعدى ذلك إلى إصدار أعمال خاصة تستهدف الأطفال، مثلما هو الحال بمجلة “جهاد” المخصصة للأطفال.

ويفضي كل ذلك إلى خلق وإعداد مقاتلين غاية في التضحية وحب الموت أكثر من الحياة.

إن ما لا جدال حوله هو أن الحوثيين معروفون بتضحيتهم غير المعقولة في كل المعارك التي يخوضونها.

لقد قدمت الجماعة عشرات الآلاف من مقاتليها (بعض المعلومات تتحدث عن مقتل 50 ألفاً في صفوف الجماعة منذ أول حرب تخوضها ضد الحكومة اليمنية، سنة 2004م، وحتى الآن).

والمعلومات المؤكدة، التي تكاد تكون حقيقة ثابتة، تقول إنه، وفي كل المعارك التي خاضتها الجماعة، عادةً ما كان عدد القتلى في صفوفهم، أكبر بكثير من عدد القتلى في صفوف خصومهم، ويصدق هذا على مختلف المعارك، سواءً في مواجهة القبائل أو القوى السياسية الأخرى، أو الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، ومع ذلك فإن الحوثيين، ولدواعٍ نفسية إعلامية، لا يصرحون بعدد قتلاهم، ويهمهم دائماً الانتصار في أية معركة يخوضونها، بغض النظر عن عدد الأرواح التي يبذلونها في سبيل ذلك، وبغض النظر عن القيمة الاستراتيجية للمعركة نفسها، وحجم وطبيعة الخصم الذي يواجهونه.

وليس ذلك كله سوى ترجمة واضحة لمبدأ الجهاد لدى الجماعة.

إن ما نراه من “فدائية” عجيبة، يظهر فيها المقاتلون الحوثيون حبهم للموت، أكثر من الحياة، يشير إلى أي مدى يمثل الجهاد المبدأ الأساسي للروح القتالية لدى مقاتلي الجماعة التي تضم في تشكيلاتها أيضاً ما يسمى “كتائب الموت”، وهي كتائب تتألف من أطفال غالباً تمت تعبئتهم عقائدياً، وفي خضم المعارك يتم الدفع بهم في مقدمة التشكيلات القتالية، لاقتحام المواقع الخاصة بالخصوم على هيئة أمواج، وغالباً لا يعود منهم أحد.

من الناحية العسكرية يذكرنا هذا الأسلوب التكتيكي بالأسلوب التكتيكي ذاته الذي استخدمه الإيرانيون في مواجهة جيوش صدام إبان حرب العراق.

ولا يعد عدم التصريح بعدد القتلى في كل معركة، سوى إجراء تكتيكي إعلامي، كما قلنا، فالحوثيون يمجدون الموت، ويزدهون به، وما إن يسقط قتيل من صفوف الجماعة حتى يقوموا بعمل منشورات تتضمن صورته، في برواز أو إطار خاص، يطغى عليه اللون الأخضر، وإلى جانبها شعار الجماعة، ويعلقونها في الجدران والأماكن والمنازل والمركبات، ويبثونها في مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل إعلامهم المختلفة.

ولكن أبرزها هي صورة زعيم الحركة “حسين بدر الدين الحوثي”، الذي يطلقون عليه الشهيد القائد، ومن ثم تأتي صور بعض القادة البارزين في الجماعة، أبرزهم صالح الصماد، الذي أنشأوا له “مزاراً” خاصاً في المكان الذي كان فيه “قبر الجندي المجهول” في العاصمة صنعاء.

وتفضي فكرة الجهاد إلى أن كل قتيل هو شهيد، وهو توصيف ثابت وجوهري لدى جماعة الحوثي، معتقداً وممارسة، ولهذا يخصص الحوثيون احتفائية خاصة بقتلاهم، في ما يسمى “أسبوع الشهيد”، وفيها يحتفلون بذكرى الشهيد، ويعلقون فيها صور قتلاهم، ومنذ بداية الحرب لم يزدهر شيء على يد الحوثيين مثل المقابر التي يدفنون فيها قتلاهم، وفي البداية كانوا يخصصون حيزاً خاصاً في بعض المقابر لمن يسمونهم الشهداء، ويزرعونها بالأعشاب الخضراء، هذا قبل أن يفتتحوا مقابر خاصة لهم في عدة مدن يمنية.

وهم يسمون هذه المقابر “روضة”، وهي إحدى تسميات الجنة، أو الحيز الخاص بالشهداء في الجنة، ويمثل اللون الأخضر، في شعارات الجماعة، لوناً شيعياً بامتياز، لكنه في ما يتعلق بارتباطه بالموت والشهادة لدى الجماعة، يمثل رمزاً للجنة، أو الروضة التي يفترض أن يأوي إليها الشهداء، وفقاً للمعتقد الإسلامي.

ويدفع الحوثيون بأبناء القبائل، الذين يرون فيهم أدنى مكانةً من طبقة الهاشميين، إلى معاركهم، وقد قتل منهم الكثير، لكن من الملاحظ أن الهاشميين يدفعون بالصغار من أبناء الطبقة الهاشمية إلى الجهاد، وهم يفعلون ذلك لأن في اعتقادهم إمكانية تعويض هؤلاء الأبناء من خلال الإكثار من الإنجاب، لكنه من الناحية الأنثروبولوجية، مثلما هو الحال مع الدفع بأنباء القبائل الذين يرونهم أقل مكانةً، ينتمي إلى ما يسميه رينيه جيرار التضحية البديلة، أي اختيار الأضحية الأدنى مكانة، وهو تسلسل يمضي بالأمر إلى العنف البديل المتمثل في الذبيحة الحيوانية، وهذه الفكرة تتمثل في انسياق الحوثيين في ممارسة تقليد الهجر (ذبيحة حيوانية كاعتذار)، وهي معروفة لدى القبائل، واستخدمها الحوثيون في إرضاء بعض القبائل الذين سقط أبناؤها على يد الحوثيين، وهي تنتمي أنثروبولوجياً إلى فكرة العنف البديل، لكنها تبدو في ذروة تجلياتها، في ما فعله الحوثيون بعد مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حين قاموا بذبح العديد من الذبائح الحيوانية (البقر)، ووزعوا لحومها على أسر الهاشميين والمنتمين إلى الجماعة، وقد فسروا ذلك بأنه احتفال بكون الله قد جنبهم مغبة الفتنة بمقتل صالح، بينما ينتمي هذا في الأساس، مثله مثل مبدأ الجهاد بشكل عام، إلى فكرة العنف المقدس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحمد الطرس العرامي، الحوثي متطرفاً، المصدر أونلاين، ١٩ أبريل ٢٠١٤م.

نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، سينار للنشر، القاهرة، جمهورية مصر العربية، الطبعة الثانية، 1994م، ص67.

كان النقد الأول الموجه للمؤسسات الدولية الجديدة من جانب العرب، القول إنها تكيل بمكيالين، وبازدواجية المعايير، وتفتقر للعدالة مقياساً وإنفاذاً، فالقرارات جائرة، وهي أيضاً لا تنفذ بحيث يصبح الأمر ظلماً خالصاً.

ثم جاء الوجه الآخر للنقد، نقد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بالقول بالقطيعة أو إنه ليست هناك قيم إنسانية مشتركة أو عالميةً بين المسلمين والعالم.

إذ قال هؤلاء النقاد إن الإعلان العالمي يؤسس مبادئه على “الحق الطبيعي” للإنسان، والإسلام يعتبر ذلك تأليهاً له، ويرى أن تلك الحقوق إنما هي تفضل من الله عز وجل، وتكليف، ولا علاقة لها بطبيعة الإنسان.

ينظر مثلاً: الإنسان وحقوقه لدى المسلمين والغربيين والمسؤوليات المشتركة، رضوان السيد، مجلة التسامح العمانية، العدد الثامن عشر، ربيع 2007، ص30.

ينظر ملازم الحوثي، الدرس الثاني والعشرون من دروس رمضان، ص26، نشرت على موقع أنصار الله، في 13 يناير 2018م، تحت عنوان “الجهاد في سبيل الله هو الذي يحمي الأوطان والأعراض”، ينظر الرابط: الموالاة والمعاداة، محاضرة لحسين بدر الدين الحوثي، متوفرة في صيغة pdf، ص7.

ينظر مثلاً: العلامة الحلي، تحرير الأحكام، ج2، ص144، الطوسي، المبسوط، ج2، ص19، المحقق الحلي، شرائع الإسلام، ج1، ص284.

على سبيل المثال، في مقابلة عام 2009 عندما سُئل عبدالملك الحوثي عما كسبته “الجماعة” من حروبها السابقة، فكان رده : “نحن لم نشن حرباً من البداية لتحقيق مكاسب سياسية أو أي أطماع أخرى.

موقفنا كان دائماً دفاعياً.

ليس من المنطقي أن تسأل شخصاً يقاتل لبقائه، عما حققه في إطار المكاسب.

المسألة واضحة، حافظنا على ثقافتنا الإسلامية ووجودنا الاجتماعي”.

في حوار مع صحيفة “الأخبار” اللبنانية اليسارية الميول، عام 2007، حرص عبدالملك الحوثي على التشديد على طبيعتهم الدفاعية، قائلاً: «الحرب من وجهة نظرنا ليست لإسقاط الحكومة، بل للدفاع عن أنفسنا من عدوان بدأته علينا».

“الإمام علي هو المرشد الأعلى الأول، اختار الحسن السلام والحوار، بينما اختار الحسين المواجهة والشهادة، ومن خلال هاتين المدرستين الفكريتين، تبرر الجمهورية الإسلامية قراراتها المختلفة، استخدم الزعيم الديني شخصية الحسن للوصول إلى سلام، سموا ذلك المرونة البطولية، وهذا ما سمح للنظام الإيراني بالدخول في مفاوضات مع أمريكا”، إيران وطموحات السلطة العالمية القصوى، وثائقي بث على قناة dw”” الألمانية، 5 فبراير 2019م.

ينتشر تعبير شعبي في أوساط زيود اليمن، يتمثل في حركة رمزية بساعد اليد تجسد أو تشير إلى شكل القضيب، مصحوبة بكلمة “سيدي حسن”، في إشارة إلى أن الحسن أضاع الملك، وقد أصبح في مقام المثل الشعبي الذي يشير إلى كل فعل أو صاحب فعل ضائع أو غير ذي جدوى.

11 يرى البعض أن الخميني قام بتطوير الجهاد حين انتقل به من الاثناعشرية إلى ما يمكن أن يكون أقرب إلى المبدأ الزيدي، فإذا كان الحسن قد سلم الأمر وجنح إلى السلم، فإن الحسين لم يكن سوى مضطر في قتاله، أما الإمام زيد فقد قاد ثورة، واتخذ من القتال وسيلة للتعبير عن فكره ورؤيته، ولعل هذا يتضح لنا في أن الزيدية في اليمن، قد اتخذت من القتال مبدأ أساسياً، وخاضت معارك وحروباً من أجل تثبيت حكمها، على مدى 1000 سنة حكمت فيها اليمن، وقاتلت خصومها.

لدى الحوثيين الكثير من آليات الاستقطاب، وكذلك نوعية المستهدفين، بدءاً من المتضررين المدنيين من قصف القوات الحكومية اليمنية في الحروب الـ6، والمتضررين من قصف قوات التحالف بعد ما عرف بـ”عاصفة الحزم”، ومروراً بالعاطلين عن العمل والفقراء وأبناء الهاشميين، والأسرى، وانتهاءً بأبناء القبائل المقهورين أو المجبرين، وأبعد من ذلك، فإن الحوثيين ماضون في تنفيذ ما يمكن تسميته التجنيد الإجباري.

وقد نقلت هذه المحاضرات من كاسيتات إلى نصوص بصرية، هي الآن متاحة في صيغ رقمية في موقع “أنصار الله” على شبكة الإنترنت، وتمثل أهم أدبيات الجماعة.

من بينها تدريبات لعناصر مساعدة للقوات القتالية، مثل الكوادر الاستخباراتية أو الإدارية أو الفنية، أو الإعلام الشعبي، وهم يعتبرون كل ذلك في إطار العمل الجهادي.

مجلة “جهاد”، مجلة “حوثية” مخصصة للأطفال، تصدر عن مؤسسة الإمام الهادي الثقافية، صدر منها 24 عدداً، منذ سبتمبر 2016م.

  لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

الحقول الإلزامية مشار إليها بـ * التعليق * الاسم * البريد الإلكتروني * الموقع الإلكتروني احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

اليمن      |      المصدر: المدونة اليمنية    (منذ: 4 سنوات | 291 قراءة)
.